هناك عدد من التغيرات الصغيرة التي تجري حاليا والتي تبين أن فلسطين هي واقع كدولة، وكشعب، وكمستقبل فيه عدالة. الأمثلة كثيرة: تصويت طال انتظاره من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتشكيل لجنة للتحقيق في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. القرار في واشنطن بالإفراج عن أموال للسلطة الفلسطينية خصصتها الحكومة الأميركية منذ فترة طويلة. الولايات المتحدة مدينة للفلسطينيين بحوالي 146 مليون دولار، وقد أفرجت عن 88 مليون دولار فقط، ولكن مع ذلك فهو مبلغ هام. في مقابلة مع مروان البرغوثي في سجنه لدى الإسرائيليين، دعا الزعيم الفلسطيني المعتقل إلى وقف المفاوضات الصورية مع إسرائيل، ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومقاطعة البضائع الإسرائيلية واللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وباقي الهيئات الأممية للاعتراف بفلسطين. وفي خطاب ألقاه في واشنطن، قال المشرع الفلسطيني مصطفى البرغوثي إن عملية السلام قد ماتت، ويجب أن تكون هناك مقاومة سلمية مثل مارتن لوثر كينج وغاندي.
بعض التفاصيل فقط التي وراء هذه الأخبار الأخيرة ليست معروفة بالكامل بعد. الأحداث تسير بسرعة في صراع لا يزال مستمرا -رغم مرور 20 سنة على اتفاقيات أوسلو- والذي بدأ مع إعلان دولة إسرائيل منذ 64 سنة. لكن التغيير في طريقه للحدوث.
لقد هاجمت إسرائيل بقوة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف وطالبتها بإلغاء شهادة عضو البرلمان الفلسطيني عن حركة حماس إسماعيل الأشقر. كان يفترض أن يدلي بشهادته حول اعتقال إسرائيل للفلسطينيين، بما في ذلك عشرات من أعضاء البرلمان الفلسطيني. لكن نتنياهو استطاع، بمساندة أميركية وكندية أن يلغي شهادته في 19 مارس. ولكن في الأيام التالية، ألقى إسماعيل الأشقر محاضرات أمام دبلوماسيين وصحفيين وناشطين ومراقبين في اجتماع رعته عدة منظمات لحقوق الإنسان. وفي 24 مارس، صوتت 36 دولة في مجلس حقوق الإنسان على قرار لإعادة تشكيل لجنة للتحقيق قي المستوطنات الإسرائيلية. كان التصويت بالإجماع تقريبا –الجميع صوتوا لصالح القرار باستثناء الولايات المتحدة الأميركية.
رغم كل قوتهما، لم تستطع الولايات المتحدة وإسرائيل أن تكسبا صوتا إضافيا آخر ضد التحقيق في قضية المستوطنات. بالنسبة لنتنياهو، غضب القادة الإسرائيليون كثيرا لأنه كرس كل جهوده الإعلامية والدبلوماسية حول النقطة الصغيرة المتعلقة بمنع مشرع فلسطيني واحد من الإدلاء بشهادته بدلا من الالتفات إلى قضية لجنة التحقيق الأكثر أهمية. إسرائيل من جانبها قالت إنها ستنسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. هناك مثل أميركي يقال في مثل هذه الحالات: "وداعا، ولا تدع الباب يضربك من الخلف."
قرار مجلس حقوق الإنسان يخضع لرقابة وتأييد المنظمات الدولية. رئيس إحدى جماعات حقوق الإنسان هذه، واسمها "فلسطين المحتلة"، ومقرها في لاهاي، هولندا حيث مقر محكمة الجنايات الدولية التابعة للأمم المتحدة، دعت جميع منظمات الأمم المتحدة إلى الإعلان عن أن جميع نشاطات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة هي نشاطات غير مقبولة وطلبت من هذه المنظمات تبني قرار واضح يطالب بإزالة المستوطنات. هناك طرق للالتفاف حول الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي، واستخدام جميع المنظمات الدولية استراتيجية جيدة للاعتراف بالحقوق والسيادة الفلسطينية.
قرار واشنطن بالإفراج عن الأموال المخصصة من قبل الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية أمر مهم أيضا. فهو يعتبر انعكاسا لقلق الولايات المتحدة من أنها تخسر المعركة لعزل الفلسطينيين. الأموال تم الإفراج عنها لأن عضوة الكونجرس الأميركي عن الحزب الجمهوري في تكساس كاي جرانجر، التي ترأس اللجنة الفرعية القوية في الكونجرس التي تخصص الأموال للدول والعمليات الخارجية رفعت اعتراضها عن التخصيص. بحسب صحيفة يو إس غي توداي، القرار في واشنطن بالإفراج عن الأموال من قبل الولايات المتحدة الأميركية للفلسطينيين تم عندما اتصلت جرانجر بنائب وزيرة الخارجية للإدارة والموارد توماس نايدس لتبلغه أنها قد رفعت اعتراضها عن مساعدات التنمية للفلسطينيين على أسس إنسانية. وفي بيان لها قالت جرانجر إنها كانت قد سجلت اعتراضها على الأموال وأوقفت تحويلها إلى السلطة الفلسطينية لتبعث برسالة إلى الفلسطينيين بأن السعي للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مستقلة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة حماس، والانسحاب من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ليست الطرق السليمة نحو تحقيق السلام. لكن جرانجر أشارت أيضا إلى الاضطرابات والقلق المتواصل في الشرق الأوسط منذ بداية "الربيع العربي،" وأضافت أن " في صالحنا – وصالح حلفائنا في المنطقة- أن نسمح بتدفق المساعدات لمعالجة دواعي القلق الأمنية والإنسانية." لكن عضوة الكونجرس السيدة إليانا روز- ليهتينين، من الحزب الجمهوري عن فلوريدا، وهي من أنصار نتنياهو في الكونجرس، رفضت السماح بالإفراج عن كامل المبلغ ورفعت اعتراضها عن مبلغ 88.6 مليون دولار فقط.
في شهر إبريل 2012، ستمر 10 سنوات بالضبط من اجتماع قمة الجامعة العربية في بيروت التي تبنت خطة السلام التي اقترحها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز. إسرائيل لم تقبل اليد الممدودة. كانت هناك عدة تغييرات، لكن استعداد إسرائيل للتخلي عن أراض عربية لم يكن أحد هذه التغييرات. ومع ذلك فإن اعتراف العالم بتصلب وعناد إسرائيل قد تزايد. متى سيحين وقت العدالة وينتهي وقت الظلم؟ لن يطول الأمر كثيرا.