يستند النظام السياسي في لبنان على بيانات الإحصاء الرسمي الوحيد الذي أجري في عام 1932، وأظهر أن المسيحيين الموارنة هم أكثر طوائف لبنان من حيث السكان، وهو قائم على نظام طائفي جرى التوافق عليه بين الطوائف المسيحية والمسلمة عام 1943، وينصّ على أن يكون رئيس الدولة مسيحيا مارونيا، ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا، ورئيس مجلس الوزراء مسلما سنيا، رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين أو طائفة، ولا ينص على مارونية رئيس الدولة، وشيعية رئيس مجلس النواب، وسنية رئيس مجلس الوزراء. هذا النظام الطائفي لم يتجدّد كفلسفة سياسية ونظام حكم منذ استقلال لبنان حتى الآن، ولا يمثل إرادة الشعب، وتهيمن عليه جهات دينية وعوائل إقطاعية مسيحية ومسلمة أفرزت نخبا أسّست أحزابا سياسية وميليشيات مسلحة خاصة بها، وتمكنت من بسط نفوذها الاقتصادي والسياسي وجمع ثروات ضخمة، واستغلت الطائفية وحقوق الطوائف للحصول على مشروعية شعبية للاستمرار في الحكم.

المشكلة ليست في الطوائف، بل في زعمائها الفاسدين تجار الطوائف والدين الذين يستغلون الشعب، ويملكون المال، وينشرون الفساد، ويدفعون المواطنين الذين يعانون الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار والضرائب ونقصا في الخدمات الرئيسية وأزمة نفايات، إلى اليأس والتمرد على واقعهم المرير. ولهذا فإن الحراك الشعبي اللبناني يمكن اعتباره انتفاضة جماهيرية مسيحية إسلامية على التركيبة السياسية الطائفية، لأنه يتّسم باللامركزية، حيث إن خريطة الحراك تظهر انتشار المظاهرات في كل المناطق، وبمشاركة جميع الطوائف بكثافة، وأن معظم المتظاهرين هم من الشباب والشابات الفقراء الذين يعبرون عن غضبهم لتردي الأوضاع، ويطالبون بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية وإعادة الأموال المنهوبة، ورحيل ميشيل عون الذي جاء رئيسا للجمهورية على أكتاف حزب الله واستقالة حكومة الحريري.

التوافقية على أنقاض اتفاق الطائف كما طالب المتظاهرون إقالة الطبقة السياسية الطائفية، ومحاربة الفساد، وإجراء انتخابات برلمانية تمكن الشعب من سحب الثقة من النواب الذين منحهم أصواته في الانتخابات النيابية التي أجريت العام الماضي.


إن الشعب اللبناني كسر حاجز الخوف، ونزل إلى الشارع بكل طوائفه للمطالبة بحقوقه، وانتقد السياسيين المسيحيين والمسلمين بصوت عال وبأسمائهم، وللمرة الأولى في تاريخ لبنان يجد زعماء الطوائف أنفسهم في مواجهة الجماهير اللبنانية المتحدة، التي نتمنى لها النجاح في إحداث تغييرات سياسية وثقافية مهمة تؤدي إلى إلغاء النظام الطائفي وإقامة دولة قانون ديمقراطية تلغي المحاصصة الطائفية، وتنهي عهد تجار الطوائف والدين، لذلك الشعب يرفض سياسة المحاور التي يتبعها حزب الله في لبنان، ويرفض تدخل إيران، وجانب كبير من المتظاهرين من الطائفة الشيعية التي ترفض خطابات حسن نصرالله، وتدخل حزب الله في سورية وفي العراق وفي اليمن، لأنه يؤثر في لبنان وعلاقاته مع الدول العربية ومع المجتمع الدولي. اللبنانيون يريدون الشعب موحدا تحت علم لبنان الحر الديمقراطي، فهل يحقق شعب لبنان مبتغاه؟ نرجو ذلك.. والله من وراء القصد.