من يعرف شخصية فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد، رئيس مجلس القضاء السابق، يعرف أنها شخصية بالغة القوة، لن تتنصل من التصدي لمسؤولية ولن تنحني أمام عواصف الوظيفة العامة، ولهذا تدور في هواجسي مكامن (السببية) التي ترك بموجبها صاحب الفضيلة منصبه وطلب الإعفاء وخصوصا أنه كان في منتصف المشروع وبعد فترة قصيرة بالمجاز إذا ما عرفنا تاريخ ذات المنصب وطبيعة هذه الوظيفة. وفي مثل هذه المناصب، ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطن اليومية يبقى من حق الجميع على (الشخصية) أن تعرف شيئا من مبررات الاستقالة، أو في أقل الأحوال تحفظا، ومن أجل المصلحة العامة، أن يذكر هذه الأسباب وبالتفصيل إلى الشخصيتين الأهم: الأولى، إلى طاولة ولي الأمر، يحفظه الله، الذي اختاره للمهمة وقبل منه بعدها ورقة الإعفاء، والثانية، إلى ذات التنفيذين المؤثرين في ذات الجهاز الحساس الذي عملت به هذه الشخصية من أجل – الجرح والتعديل – المستقبلي ففي بعض الأحيان تكون – رسالة الإعفاء – أكثر قدرة على تصحيح الأوضاع من المضي قدما تجاه – حلحلة – ما قد تراه الشخصية المغادرة بالغ الاستحالة.
لماذا استقال رئيس مجلس القضاء الأعلى بعيد فترة وجيزة؟ إنها أسئلة الجمهور مثلما هي تكهناته في الجواب والفارق أنهم يقولونها في الصوالين والمنتديات وأنا هنا مجرد ناقل بالكتابة. بين من يقول: إنه استبرأ لدينه والكيِّس من دان نفسه.... وبين من يقول إن الأرشيف التاريخي لذات الجهاز بات ضخما بآلاف الأوراق التي قد تذهب بما تبقى من البصر والبصيرة للفحص والقراءة والمراجعة. بين من يقول إن مسمار الضبط (الحديث) لم يتناغم في قلب آلة مختلفة.
والخلاصة أنني لا أتحدث عن جهاز القضاء فحسب، ولا عن مبررات استقالة فضيلة الشيخ كفكرة انتقائية. الحديث الأشمل هو عن الشخصية العامة وعن المنصب العام عندما يفترقان بالإرادة الواضحة مثلما كان في قصة (ابن حميد) مع منصبه. طلب الإعفاء الشخصي قد يكون أبلغ رسالة تصحيحية إلى منسوبي ذات الإدارة أو الوزارة إذا ما عرف المنتسبون دوافع ومبررات طلب الإعفاء. الاستقالة الشخصية لفرد ما قد تتحول إلى حالة (هروب إلى الأمام) إذا ما درسنا الحيثيات ووضعنا الحلول وخصوصا إن اتفقنا أن (المغادر) كان كفؤا وجديرا حتى ولو هرب.