قبل أكثر من 3 أسابيع أردت أن أبدأ سلسلة من المقالات بخصوص علاقة المملكة ببعض الدول، وبدأت باليمن وبعده لبنان ومن ثم باكستان ومن ثم العراق، لذلك كثير من أفكار المقال كتبناها قبل ثورة لبنان الحالية، وأغلب المقال كان يتمحور بخصوص نقطتين، الدور المسيحي الذي تم تشويهه، والفساد المستشري في لبنان، ولم يدر في الخلد أن ثورة اللبنانيين ستكون أسرع من المقال، وكانت حسنة التأخير في النشر أنه تستطيع إضافة التطورات والتحديث للوضع الحالي.

في البدء أريد أن أقول تربطني علاقة ممتازة مع كثير من اللبنانيين، خصوصا الطائفة المسيحية، ولست أصنف أصدقائي بناء على طوائفهم أو ديانتهم، لكن حدث من غير أي تخطيط أن اكتشفت أن أغلب أصدقائي اللبنانيين مسيحيون لأني عادة لا أسال عن الديانة، لذلك أستطيع التكلم بأريحية من وجهة نظر شاملة وليست نظرة طائفية.

اللبنانيون -خصوصا المسيحيين منهم- جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، بل إن أحد أهم ميزات أمتنا العربية وما يعطيها شموليتها هي وجود الديانات الإبراهيمية الثلاث وأخرى، ولقد قام المسيحيون العرب عبر التاريخ بأفعال ومواقف بطولية كبرى تدل على أصالتهم وخدمتهم للأمة العربية يصعب حصرها في عشرات المقالات.


مثال بسيط يدل على عمق وتجذر الأمة العربية في دماء المسيحيين العرب، عند تدهور حال اللغة العربية في بداية القرن التاسع عشر كوّن المسيحيون العرب في المهجر الرابطة القلمية، ورغم بعدهم عن المنطقة العربية ووجودهم في نيويورك لم ينسهم ذلك حبهم للعربية ومن تكوين واحدة من أهم الحركات الأدبية العربية.

وكان المؤسسون هم الأسطورة جبران خليل جبران، نسيب عريضة، ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد، إيليا أبوماضي، ووليم كاتسفليس وغيرهم.

لقد أسهم المسيحيون اللبنانيون في النهضة العربية وفي استقلال الأوطان العربية عن الاحتلال الأجنبي، وكلنا يعرف بشارة الخوري، فأي شخص يشكك في المسيحيين العرب يشكك في حقيقية تاريخية غير قابلة للجدل ويبرهن على جهله.

انتشر اللبنانيون من خلال الهجرة في شتى أنحاء الأرض، وكانوا ناجحين من خلال عقليتهم ومهارتهم وتعاملهم وحسن حديثهم والكاريزما، وحتى على الصعيد الخارجي هم من أجمل العرب شكلا، ولديهم قدرة على التأقلم في البيئات المختلفة حتى أصبحوا رؤساء دول في عدة مناطق، وذوي مناصب كبرى في السياسة والاقتصاد والتعليم حول العالم، لكن للأسف لم ينعكس ذلك على لبنان إيجابا حتى قيل (إن اللبناني ناجح في كل مكان عدا بلده).

في الفترة الأخيرة ظهر بعض السياسيين المسيحيين فأساؤوا لأنفسهم وللمسيحيين العرب ولتاريخ لبنان.. بعضهم أصبحوا مطايا للنظام الرجعي المتخلف في طهران! البعض عندما تسمع حديثه تحس أنه أحد ملالي إيران.. حسن نصرالله بدأ يستخدم بعض السياسيين المسيحيين كمطية لأغراض النظام الفارسي، وهذا تماما عكس الانفتاح والعقلية المعروفة عن مسيحيي لبنان الذين كانوا يشكلون جسرا للوسطية والتعايش بين العرب وبقية العالم.

ببساطة من الصعب جدا أن تجعل لبنانيا مسيحيا يعتنق أفكارا وتخلفا ورجعية ودموية ملالي قم! لكن للأسف هناك انحدار هائل في مستوى سياسيي لبنان في المجمل، خصوصا بعض المسيحيين، لا مهارات سياسية ولا كاريزما ولا فكر، بل مهارته الوحيدة أنه نسيب أحدهم!.

إن التردي في الطبقة السياسية اللبنانية ليس قصرا على المسيحيين فقط، بل بقية الطوائف أيضا أسهمت في ذلك، وبالأخص الطائفة السنية، فكثير من سياسييها أضاعوا البوصلة.. التردي والانحدار للأسف عام في مجمل الطوائف الثماني عشرة!.

لو الزعيم العظيم المفكر العروبي كمال جنبلاط يطلع من قبره ويرى حال سياسيي لبنان لبكى على حالهم، ومع كامل الاحترام فإن كوفية الزعيم كمال القديمة ترجح على بدلات كل سياسيي لبنان الحاليين!.

أما الفساد في لبنان حاليا فبلغ مستويات تاريخية، أي دولة يحكمها من الظل مندوب ملالي طهران تدمر من جميع النواحي، اقتصاديا وعلميا وسياسيا (لبنان والعراق واليمن).

الملالي مثل البذرة الشيطانية لا تثمر إلا دمارا، والطبقة السياسية اللبنانية غارقة في الفساد (وشد لي واقطع لك)، عندما كنت أكتب مُكالِباً بألا نذهب سياحة للبنان ولا نعطي تبرعات، كان البعض يغضب، لكن سبب كتابتي أن مصير السياحة والتبرعات إما لحزب الله، وهذا يعد مساعدة منظمة إرهابية تحارب العرب، أو لجيوب سياسيين فاسدين ولا يستفيد منها المواطن اللبناني، حتى بعض اللبنانيين بالإعلام اتفقوا مع كلامي الذي كنت أردده سابقا بوقف المساعدات للبنان من دول الخليج، نفس اللبنانيين في التلفاز يقولون لا يتبرع الخليجيون للبنان لأنه إذا تبرعوا بـ100 مليون ذهب 99 مليونا منها لجيوب السياسيين.

الشعب اللبناني أغلبه مثقف وواع، وكنت أدعو اللبنانيين ليقفوا ضد التخلف والرجعية والظلام والهاوية التي يجرهم لها نصر الله، وهو بلسانه يعترف أنه جندي عند خامنئي، وولاؤه لإيران أكبر من لبنان (خيانة عظمى على عينك يا تاجر!).. الآن هناك عقوبات وتشديد على لبنان بسبب النظام الإرهابي لحزب الله الذي حول لبنان لمركز لتجارة المخدرات وغسيل الأموال والاتجار بالبشر، وأثرت العقوبات على ثقة النظام المصرفي اللبناني ككل.

يبدو أن الشعب اللبناني وصل لمرحلة الانفجار من الفساد والتخلف والسياسة الإيرانية المدمرة، وبعض المطايا من سياسييه الذين يريدون إبعاده عن محيطه العربي وقذفه إلى الهاوية الإيرانية.

اللبنانيون يريدون تغييرا جذريا ومحاسبة كبرى، وليس مجرد تحسينات شكلية تجميلية.

خلاصة القول لبنان يعاني من اثنين: قمة الشرور الشيطان الفارسي، والفساد، ويحتاج لقلعهما من جذورهما إذا أراد العيش والحياة والرفاهية.