يتناسى الإنسان ما هو عليه من حال وما هو سائر إليه من مآل، و العاجز هو ذلك الإنسان الذي لا يدّكر ولا يعتبر من قصص وحوادث الدنيا..والمآلات التي سار إليها من سبقوه..ينشأ الإنسان صغيراً حقيراً ثم يكبر فيتكور ويتطور فيتصور أنه الأعلى والأقوى يبدأ في التضخم والتفرعن وتتلبسه حالة الكبر والخيلاء حتى يرى من حوله كالذباب يهشهم هشا وإن تمادوا بحسب رأيه يرشهم رشا ولا يعلم هذا الإنسان المتطاغي أن لكل أمر نهاية وكل كبير يصغر وأن كل من استقوى فإن فوقه الأقوى وأن كل من يتعدى فإن له من يتصدى، لكن الطغاة دائماً أسرى خديعة الحاشية و"الهتيفة" ونرجسية الذات الأمّارة بالسوء وقارعي الطبول ومساحي الأجواخ النفعيين قليلي الخاتمة الذين يحسبون كل صيحة عليهم، أولئك الذين يتلبسون أكثر من وجه يقودون صنيعتهم إلى المهالك وأسوأ المدارك.

إليك ما يحدث في سورية وعلى الهواء مباشرة عبر أقنية التلفزيون أو عبر ما تحمله أشرطة اليوتيوب من فعائل متوحشة وحيوانية وغابوية يتولى كبرها جنود الرئيس وأولئك الشبيحة الذين ينطلقون كما تفعل الحيوانات الكاسرة في الغابة لتفتك بما حواليها.

فقط تأمل الركل والصفع والضرب والسحل وتقييد الناس كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً من المدنيين المسالمين، يقيدونهم من أمام ومن خلاف ويبطحونهم على بطونهم ثم يمعنون فيهم ضرباً وركلاً على رؤوسهم ووجوههم الكريمة البريئة بالأقدام و"البساطير" والجزم العسكرية الصلفة. ثم يقفزون فوق ظهورهم ويتطامرون على ظهورهم كما يتقافز لاعبو السيرك ولا يتوانون عن ضربهم بكل ما يملكون من قوة وشراسة في كل موضع من أجسادهم فوق هامات الرؤوس وفي المواقع الحساسة من الجسد. كيف بهم لا يستحون وهم يعلمون أن الكفة ليست عادلة وأن ما يفعلونه لا يعبر عن شجاعة أو كرامة أو رجولة، كيف يتردى البشر إلى هذا الحد في مهاوي الوحشية كيف تنزع الرحمة من هذه القلوب الصخرية وهي تجز رقاب الأطفال الرضع أمام أنظار الأبوين؟.. أين المروءة فيمن يعلق النساء أو يقيدهن عاريات على الأعمدة والسواري؟ كيف للإنسان أن يفعل كل ذلك في ابن وطنه الذي يلتقي معه في كل ما يجمع إنسانا بآخر؟ كيف بالإنسان يفعل بأخيه ما لم يفعله به العدو المجاور؟!

إن ما يحدث في سوريا من عنف وتوحش وسادية لا نكاد نجد له مثيلاً إلا فيما كانت تفعله فرقة "الحشاشين" الباطنية بقيادة زعيمها الحسن بن الصباح والذين كانت معاقلهم الرئيسية في إيران والشام وكان أتباعها يفتكون بكل من لا ينضوي تحت لوائهم ويسرفون في القتل والتمثيل بالجثث. والمفارقة أن نرى المشهد يتكرر في أرض الشام بدعم ومساندة ورفد وتحريض من فارس فهل التاريخ يعيد نفسه؟!

الغريب أن مسيرة الطغاة وحالاتهم إنما هي مسارات فردية مستقلة بحيث إن كل طاغية له تجربته الفريدة التي لا تتعظ ولا تستفيد من التجارب المماثلة والمتراكمة التي سبقته. ولهذا فإن طاغية كالقذافي لم يتعظ من جبروت صدام حسين الذي انتهى مختفياً وهارباً في حفرة صغيرة، ولو كان القذافي يدرك ويتبصر لما أمعن في التجبر والعناد حتى تم إخراجه وسحبه من "الماصورة" وإذلاله وقتله في مشهد جدير بالاعتبار.. لكن تلك النهايات الدرامية المأساوية المذلة والمهينة والشنيعة لم تشفع وتسمح للرئيس السوري بالاتعاظ ثم ألم يكفه ما حدث لزين العابدين في تونس.. وما حدث لحسني مبارك في مصر وما حدث لعلي صالح في اليمن.. الواقع يقول إن كل ما حدث من قبل ومن بعد ليس كافياً لأن الطاغية لا يرى أبعد من أرنبة أنفه. لقد أسرف وطغى كل أزلام البعث السوري بمن فيهم نشار الجسد وحاشيته في القتل والتدمير بكل أنواع الأسلحة وهم الذين للأسف لم يطلقوا رصاصة واحدة على العدو الصهيوني الذي أمضى أكثر من أربعين عاماً يجثم بهدوء ودعة وطمأنينة فوق هضبتهم لقد أعجبني كلام الزميل الأستاذ علي الموسى في واحدة من مقالاته الجميلة دائماً حين راهن على أن الجولان وليست السويد ولا سنغافورة هي أكثر مناطق الكرة الأرضية أمناً واستقراراً لأن دولة الممانعة ودولة الصمود والتصدي تمانع في إقلاق العدو المحتل وتصمد وتتصدى لكل من يمكن له أن يتعدى ويطلق ولو رصاصة طائشة تجاه الجولان المحتلة بينما يطلقون أيدي المأجورين من الشبيحة ومرتزقة الفرس وعتاولة فرقة حسب الله يهدمون ويقصفون ويسحلون ويحرقون المدنيين لا لذنب اقترفوه وإنما لحرية آدمية ينشدونها وأنها رغم كل شيء قادمة ومتحققة بإذن الله وإن غداً لناظره قريب.