تعتزم المملكة إنشاء 16 مفاعلا نوويا بحلول عام 2030 حسب ما صرحت بذلك مصادر مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة على هامش منتدى البيئة والتنمية المستدامة الذي أقيم العام الماضي بجدة. ذكرت هذه المصادر أن أول المفاعلات سيبدأ العمل في 2020 ليغطي نحو 20? من حاجة المملكة للكهرباء. وحيث إن الخمس سنوات الأولى ستكون خاصة بالتخطيط كما ذكر فريق التعاون العلمي بمدينة الملك عبدالله، فنحن نتقدم بطلب بسيط بأن يتم تخصيص وزارة الصحة كموقع بناء فعلي لأحد أجهزة الطرد المركزي لعلها توحي لهم بتبني نظام صحي لامركزي قادر على تخصيب ميزانيته وإنتاج طاقة خدمية فاعلة يتم تصديرها لكافة مناطق المملكة عوضا عن المركزية التي أهدرت المال العام ورضا المواطنين إلا ما ندر طوال الستين سنة الماضية.

النظام الصحي في المملكة، رجل مريض يتم حقنه سنويا بميزانية مليارية وتستبدل صماماته ومفاصله بمشاريع مليونية وعمليات تجميلية إعلامية ومع ذلك فقد فشل النظام في علاج نفسه راسبا في عدة اختبارات خدمية واستجابية وإدارية.

عندما تعلن حالة الطوارئ في المستشفيات والعنايات المركزة جراء موجة غبار موسمي فاعلم أن نظامك الصحي متهالك، أهمل صحة قلبه واعتنى ببشرته. حينما تبنى المستشفيات والمراكز بعقود خيالية ليتم تشغيلها من قبل الجن سنوات عدة خلف أبواب موصدة فاعلم أن نظامك الصحي متهالك، أخذته العزة بدماغه المركزي متجاهلا أعصابه الطرفية. عندما يستجدي المواطن سريرا وموعدا عبر رسائل الجوال والإنترنت فاعلم أن نظامك الصحي متهالك، اهتم بشهادات جودة لحظية وقام بالتضحية بالمستدامة.

حين يتم تسليم المريض موعدا بعد ستة أشهر لأشعة مقطعية ذيل الطبيب ورقة طلبها باشتباه لورم فاعلم أن نظامك الصحي متهالك، غير صالح للاستخدام البشري، تلك المخلوقات البشرية التي خلقها الله من جسد وروح وعقل.

نظام صحي بحاجة لإنعاش فهو يموت باليوم عدة مرات، يموت عندما تجد الطبيب محبطا بعيادة ممتلئة بمرضى حانقين من الانتظار لساعات وساعات، يموت عندما يتم تصدير أبنائنا وبناتنا من الأطباء لدول الخليج وغيرها حيث البيئات المحفزة للعمل الإكلينيكي والبحثي عكس بيئتهم الصحية الطاردة.

هذا النظام يقتل نفسه يوميا بعدم ثقته بنفسه، فهو لا يدعم توطين برامج الزمالة الوطنية وإنما يتم تخفيض سعر مخرجاته ما لم يأتوا بختم جودة عالمية لترتفع قيمتهم في بورصة الأطباء التي مهما ارتفعت لن تصل لسعر الطبيب صاحب العينين الزرقاوين.

نظام صحي ميت دماغيا يقتات على خطط استراتيجية ولجان ومشاريع متعثرة وتغطيات إعلامية توحي بأنه ما زال في ريعان الشباب وهو في ذمة الله.

نحن بحاجة لوقفة جادة لإعادة هيكلة النظام الصحي الحالي المركزي، فقد نخر سرطان البيروقراطية وضياع الأهداف جسده حتى أصبحت خدماته بمثابة ابتلاء رباني لمن لم ينعم الله عليهم بالمال والواسطة للعلاج بالخارج.

إعادة الهيكلة لا بد منها لإعادة ثقة المواطنين في القطاع الصحي بشتى مرافقه، هذه الثقة التي لم تنجح الاستراتيجيات الماضية أو الحالية في ترميمها وأصبحت وزارة الصحة مرادفا للبحث عن الأضواء في نظر المواطنين. هذا النظام الذي ينسب كل إنجاز مناطقي لوزارته المركزية ويستعرض قواه الخائرة على أخطاء وضعف مديري المناطق بتعاميم وتغييرات قد تطال ربع العشرين منطقة صحية ولم يتضح أمامه أن فشل أداء هؤلاء هو انعكاس لفشل الإدارة المركزية.

المملكة مترامية الأطراف وتضم في جنابتها تنوعا سكانيا ومناطقيا جذابا والأجمل هو أن يثق النظام الصحي بهذه المناطق من خلال إعطائها الصلاحيات بشكل لا مركزي بحيث يعزز من قدرتها على إدارة شؤونها الصحية الخاصة بها التي قد تختلف في الأولوية عن باقي المناطق ومن ثم تنعكس على خدماتها الصحية تجاه مواطني المنطقة. التراتبية في أولويات المتطلبات الصحية لكل منطقة واختلافها عن الأخريات غالبا ما يغيب عن وزارة الصحة المركزية التي تتسبب في عقبات بيروقراطية تكاد تكون يومية لمديري المناطق ومنسوبيها.

هذا النظام اللامركزي سيعزز من التنافسية في الخدمات الصحية وسيفتح المجال لأبواب الاستثمار الصحي مما سيساهم في البنية التحتية ويجعل من قرار نظام التأمين الصحي حينها قرارا مستنيرا لتنوع الخيارات والخدمات الصحية لمواطني المنطقة. النظام الصحي اللامركزي هو الحل البديل، إن لم يكن الوحيد، عوضا عن النظام الصحي الحالي الذي أصبح حتميا لإعادة ثقة المواطن بنظامه الصحي والارتقاء بصحة الأفراد والمجتمع. وجود الجمعيات الخيرية الصحية حاليا والجمعيات الأهلية والنقابات الصحية مستقبلا سيسهم أيضا بدعم النظام الصحي اللامركزي وسد ثغراته، هذا النظام الذي يؤمن بتنوع وتفرد مناطق المملكة وأفرادها، فقط آنذاك سيكون الإنجاز مضاعفا للطاقة المناطقية ولجهاز الطرد المركزي.