(بعض مداخل)

موسم الرياض الترفيهي بداية.

إثارة الدهشة، وملامسة مواطن إسعاد الناس، أهم مهام الدول التي تحب شعوبها وتحترم مواطنيها.


الترفيه، سلوك بشري راقٍ، يجب التعامل معه على أنه رافد من روافد العمران الحضاري والبشري.

صناعة الترفيه محور تنموي هام، وجالبة للعقول ورؤوس الأموال، والدخل غير المحدود.

لم يعد الترفيه حكرا على البلدان المتقدمة، بل غزا البلدان النامية التي اضطرت إلى إعادة قولبة ثقافتها على كافة الأصعدة، ليتوافق مع عالم ينتج من وسائل الترفيه وأدواته ما يتجاوز قدرة بعض الشعوب على المتابعة والملاحقة.

صناعة الترفيه لا تتوقف عند منتج معين، بل هي حزم غير متناهية من المنتجات تتسع مع اتساع العقل البشري وقدرته على الاختراع والإبداع.

الترفيه جزء مهم للبناء التربوي، والصحة الاجتماعية للإنسان، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد.

(هيئة للأمر والنهي تخبو بفعل التطور ثم تتغول بفعل الصحوة)

تأسست هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسماها هذا في عام 1953، وكانت الهيئة إبَّان تأسيسها مواكبة لمتطلبات المرحلة من وجهة نظر منظريها - إن صح التعبير - غير أن نهم السعوديين إلى التطور جعلهم يتمردون على كثير من إلزامات الفقه والفتوى التي قامت عليها أعمال الهيئة، والسعوديون بالعموم كأفراد يحبون التغيير والتطور ومواكبة الجديد، وهذا لا يقتصر على العصر الحالي، بل حتى مع البدايات الأولى لتوحيد البلاد.

تجاوز المجتمع السعودي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بتطوره ومواكبته للجديد من المنتجات والمقتنيات، ومع التطور العمراني المصاحب للتطور الاقتصادي، شاخت الهيئة في أوائل السبعينيات الميلادية تقريبا، وعجزت عن ملاحقة المجتمع السعودي في تطوره، غير أنه بعد أحداث الحرم المكي عام 1979، دخل إلى الهيئات عنصر جديد وهو الكادر الصحوي الحزبي، والذي ظهر أثره جليا في عام 1988 تقريبا - حسب تقديري - إذ تحولت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتدريج إلى جهاز أمني متكامل، فيه المراقبة والمداهمة، والاعتقال والتجسس والتحري والاستدراج والتحقيق، وأحيانا تنفيذ العقوبة.

ومع نهاية أزمة الخليج الثانية 1990، بدأت تتفاقم ظاهرة الأفراد المتعاونين مع الهيئة، وحدثت منهم تجاوزت كثيرة وكبيرة، وإن كانت هذه الظاهرة تغطي بعض إخفاقات وتجاوزات أعضاء الهيئة الرسميين أحيانا إلا أن مكانة الهيئة ورجل الهيئة في ذهنية المجتمع كانت أكبر من أن تتأثر بأي مؤثر سلبي، خصوصا في عقد التسعينيات بسبب التعزيز المعنوي الهائل الذي قام به دعاة الصحوة في سبيل ترسيخ مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئاته ورجاله الرسميين والمتعاونين، باعتباره سبيلا للإنكار على السياسي.

ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي هزت العقل المجتمعي والثقافي السعودي بشكل جعل التغيير أمرا حتميا، بدأت الناس تحسب أخطاء الهيئة ورجالها، وعلى الرغم من أنني أجزم أن تجاوزات الهيئات في عقد التسعينيات أكبر مما حدث لاحقا إلا أنه حدث بعض أحداث توقف عندها المجتمع والمسؤول كثيرا.

وفي 11 أبريل 2016 وافق مجلس الوزراء السعودي على تنظيم جديد للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحد من صلاحياتها التنفيذية. ومن أبرز ما ورد في هذا التنظيم هو منع رؤساء وأعضاء الهيئة من إجراءات الضبط الجنائي والإداري والتحفظ والمتابعة والمطاردة والإيقاف والاستجواب والتثبت من الهوية والتحقيق والقبض، بحيث يصبح دور الهيئة هو الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر بمبدأ اللين والرفق فقط، وتقديم مذكرات إبلاغ رسمية إلى الشرطة أو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات فيما يظهر لها من مخالفات.

وكان هذا القرار بمثابة العودة المباشرة لما يجب أن تكون عليه عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستقبل المجتمع هذا الخبر بمستويات مختلفة من الرضا وحتى الرفض، ولكن بعد قرار إنشاء هيئة الترفيه، وبعد مرور مدة على قرار تنظيم الهيئة، وإدراك الناس حقيقة أن الأمور كما هي مرت على طبيعتها، وبدأ المجتمع ينظر إلى أن المنكرات لم تزد بوجود هيئة الترفيه، ولم تنقص بتقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غير أن فضيلة الأمر بالمعروف في تزايد مستمر من قبل كل الأطياف، وهذا نتاج محمود لعملية التغيير على عدة مستويات رسمية وشعبية.

(هيئة للترفيه يرتقي بها المجتمع إلى مصاف التحضر)

خطت السعودية خطوة واسعة في سبيل الانفتاح والتحضر واللحاق بالمجتمعات التي تعيش وضعا طبيعيا حينما أقرت في 7 مايو 2016، إنشاء الهيئة العامة للترفيه، والتي تعنى بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه، وأَعْتَبر هذا القرار من أهم القرارات التي جاءت داعمة ومستشرفة للمستقبل الزاهر المنتظر (2030)، لما للترفيه المحترف وصناعته من قدرة على إضفاء ميزة تنافسية كبرى للمدن السعودية، وخلقها كبيئة جاذبة لرؤوس الأموال والمشاريع والعقول عالية القدرة والكفاءة.

الهيئة العامة للترفيه في جهد ودأب وعمل متواصل للوصول إلى المستوى المأمول في أحد أهم دول المنطقة والعالم، إذ كان عمل الهيئة العامة للترفيه صعبا ويحتاج كثيرا من الجهد، في أرض شبه خالية من الترفيه إلا ما يخلقه المواطن لنفسه بأدوات بسيطة، تقوم في معظمها على التجمع البشري، وكان عليها أن تقوم بالدور المهم الذي صرح به الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لقناة العربية: من أن قطاع الثقافة والترفيه سيكون «رافدا مهما جدا في تغيير مستوى معيشة السعودي خلال فترة قصيرة». وكذلك اضطلاع برامج الهيئة العامة للترفيه على مشروع غاية في الأهمية وهو وقف نزيف جيب المواطن خارج وطنه، حيث إن السعوديين من أكثر شعوب المنطقة استهلاكا للترفيه خارج وطنهم، وهم على رأس قائمة المستهدفين من جماهير المنطقة بالمهرجانات والفعاليات التي تقام في بعض الدول المجاورة، الأمر الذي يدر دخلا اقتصاديا هائلا لتلك الدول من جيب السعودي الذي يقطع مسافات طويلة، ويحجز الفنادق والشقق، ويتكبد مصروفات النقل والإعاشة بحثا عن الترفيه.

وصناعة الترفيه في المملكة بتحويلها إلى صندوق استثماري جالب للمال عبر استقطاب شركاء عالميين، يجلبون معهم الدخل والخبرات والثقافة الولادة، هي إحدى ركائز الرؤية 2030، التي تعزم على نقل البلد من مجتمع شبه مغلق منكفئ على نفسه إلى بلد منفتح وفقا لسماحة الإسلام ويسره وسهولته، وتحويل المجتمع السعودي من مجتمع متوجس كاره للجديد والتجديد إلى مجتمع متسامح يتعاطى مع كل شيء ويقبله أو يرفضه وفقا لثقافته ومبادئه.

تقوم الهيئة الآن بعمل جميل ورائع في تهيئة المجتمع لقبول صناعة الترفيه وثقافة الترفيه، والموازنة بين عادات المجتمع وتقاليده، وتنوعات مسارات الترفيه وإبداعاتها وتجددها المتسارع المستمر الذي لا يعرف التوقف، يعاونها في ذلك كل أجهزة الدولة أو هكذا يحب أن يكون الأمر.