• وأنت واقف على رصيف، لغرض العبور أو الانتظار، أو قول شيءٍ للناس.. وبمصادفة عادية يقع أن تثير بعضُ الأحداث، في لحظةٍ ما من لحظات وقوفك ذاك، أثراً هائلاً؛ تمرّ سيارةٌ مسرعة وطائشة، بمستنقعٍ ليس بعيداً عنك، وأنت، كما قلت لك، تقف على رصيفه، فيصير أنها، بعمدٍ أو دون عمد، تطشّ الماء بعجلاتها، فتلطخك أوساخ المستنقع، تقريباً سترفع يدك وتطلق لسانك بالشتائم، وربما وقف سائق السيارة ليعتذر، أو على الأغلب، سيفرّ ضاحكاً. الأكيد لحظتها أنك، لو كنت أعظم الذين وقفوا بالشوارع وعلى قارعات الأرصفة، ليعبروا أو يتكلموا، فلن تتأمل حينها كيف تَغير شكل وخارطة ذلك المستنقع التافه، ولن تتساءل إن كان سيرجع لما كان عليه أم لا! لن تفكر أنه ما من لحظة واحدة يمكنها أن تغير حقيقة أي شيء أو أحد، تغييراً جذرياً. وأعني باللحظة؛ تلك التي تأتي منقطعة عما قبلها، بضربة المفاجأة، لن يخطر ببالك وأنت في تلك اللحظة العبثية المقرفة، أن الماء نفسه، في جوهره ومكوناته، سيبقى هو الماء، ما تناثر منه في كل اتجاه، وما علق بالسيارة، وما اتسخت به ثيابك.. أنت الواقف على الرصيف.

• في الأماكن الملوثة بالكثير من المستنقعات الداكنة، عليك أن تتوقع دوماً وأنت تخرج للشارع، أنك وفي أية ثانية قد تتسخ بها. لا بأس، فهذه طبيعة الشوارع، كما تعلم، يمكنك بالتأكيد أن تعود لبيتك لتستحم، وتضع ملابسك في الغسالة، أن تفتح خزانتك وترتدي غيرها. هذا يحدث على الدوام، ومهما كان مزعجاً ومقرفاً ولا مناص منه، إلا أنه يمكن التطهر منه، لكن ما يلزمك أن تحذره كل الحذر، أن لا تسقط أنت نفسك في المستنقع، أن لا يشدك إليه حتى تغرق فيه. أن لا يستهلكك التخبط في مياهه، واستنفاد قواك فيه، ظنّاً منك أنه يمكنك بهذه الطريقة أن تجفف المستنقعات، وتنظف الشوارع، وتقضي على الأوساخ الزلقة، بينما أنت شيئاً فشيئاً تأخذ لون تلك المياه، ثم تشعر بلذات مصارعتها وما تهبك إياه من تصفيق السكان، فتستمرئ ذلك.. وأخيراً تصير أنت نفسك جزءاً من المستنقع، فلا تعود قادراً حتى أن تنتبه لفداحة رائحتك.

http://www.youtube.com/watch?v=rY5LTcnDcbM

• البقاء في البيت كل الوقت غيابٌ وبلادة، لذلك أفكر في كل مرة أخرج، أني قد أتسخ فأجهز ملابس بديلة دوماً، وبكل حال أستعيذ بالله من أن أزلّ أو يُزلّ عليّ، وأوصي نفسي؛ أن الزمن روح الحياة، ودونما فعل هذه الروح فإن الطبيعة تستحيل.. ولا تتسق أبدا!.