ماذا يحدث في الإنسان عندما يسمع أغنية؟، ما هي التغيرات الكيميائية التي تحدث في الجنس البشري عندما يتعرض لكمية معينة من الإشعاع الغنائي؟ في البداية سيطرب المستمع، وينتشي، وربما يرقص، ولكن.. إذا استمر تعرض الإنسان لجرعات أكبر من الأغاني تفوق الحد المسموح به دوليا، سيشعر برعشة في أذنيه، يتحسس أذنيه مذعورا، فيشعر أن أذنيه تكبران وتستطيلان، وينمو لهما زغب غريب، يركض مذعورا ويقف أمام المرآة وهو مازال يتحسس أذنيه.. تستمر الأذنان في الاستطالة للأعلى حتى تفوقا مستوى الرأس، يتملك المستمع الفزع، يقترب من المرآة ويحدق جيدا، فيكتشف أنه تحول إلى كائن آخر!
في البداية عندما يسمع الإنسان أغنية يطرب للموسيقى التي يعتبرها البعض منتجا من منتجات الجن، حتى إن البعض أكد في الجاهلية وجود مايسمى بـ "عزيف الجن". هناك سلطة خفية للموسيقى على الروح، لذلك ربط البعض بين الموسيقى والشياطين.
أما الكلمات فلها نفس التأثير المطرب على الأذن، تأثير يشبه السحر، فالنفس البشرية تواقة دائما لهدهدتها بالكلام اللطيف، ويتم ذلك بالجرس والموسيقى الداخلية والقافية الجهورة الرنانة، وبعد مرحلة التطريب، ينتقل ذهن المستمع ليتصور المعاني، ويترجم الكلمات إلى صور ذهنية، فينعزل المستمع تدريجيا عن الواقع، ويعيش حالة محبوبة مخدرة من التخيل.
إذا كانت الكلمات راقية سيكون العالم المتخيل راقيا، وإن كان الكلام مبتذلا ستكون الحالة الذهنية المتخيلة مبتذلة. ولكن في الحالتين، إذا استمر الاستماع إلى الأغنية، تتحقق للمستمع حالة من التسلية، أو بتعبير آخر "الفرفشة".
الموسيقى إحدى وسائل التأثير في الإنسان، وهي أيضا إحدى وسائل التربية، وهي ككل شيء في الحياة ذو حدين، فقد يكون هذا التأثير سلبيا، مدمرا، وقد يكون إيجابيا، محفزا على النجاح.
ولكن مع إيماننا بالتأثير الإيجابي للموسيقى إلا أن هذا التأثير الإيجابي نفسه له ضوابط، يرتبط كالدواء بالجرعة لمناسبة، فإذا زادت الجرعة الغنائية عن الحد المسموح به قد تودي بحياة المستمع، كما تودي جرعة الدواء الزائدة بحياة المريض.
الغريب أن نرى في الفضاء العربي عشرات الفضائيات التي تخصصت فقط في الأغاني، تذيع الأغنية الواحدة أكثر من 40 مرة في اليوم لتملأ ساعات البث الطويلة المملة، والمستمع "المسكين" مستسلم لهذا المخدر الذي يبث على مدار الساعة، كمدمن المخدرات الذي أدمن المخدر وانتهى الأمر.
تعرض الإنسان إلى الأغاني بطريقة مفرطة سيزيد ـ بما تقدمه من موضوعات مختلفة ـ من توتره وقلقه وعزلته عن الواقع، وهذا سوف يحول الإنسان بالتدريج إلى مسخ خيالي سلبي، مسلوب الإرادة، لا يحقق أحلامه إلا في الخيال.