على وقع ما جرى في القمة العربية الـتي انعقدت في بغداد، أجدني وأحسب أن كل مواطن عربي كذلك قد شعر بحالة من الغربة.. والفقد.. وربما اليتم!

أين تلك الوجوه (الزينة العابدة) وتلك الملامح (الحسنة المباركة) وتلك الأنفس (العلية الصالحة) أين تلك القيادات العربية (المعمرة) التي كانت (تقذف) نظراتها الشاردة على الحاضرين؟!

يا للفقد المريع إنها قمة بلا روح ولا مزية!! إنها القمة العربية الأولى التي لم تحظ بمتابعة ومشاهدة عربية عالية نظراً لافتقار المواطن العربي للألفة مع الوجوه الجديدة التي جاءت ممثلة كبديل للسابقين في تونس ومصر وليبيا واليمن.

كنا نتابع القمم العربية السابقة ونضحك على طريقة القذافي وهو "يمسك" سيجارته بكيف عجيب! ثم ينفث أنفاسها بقوة أكبر على نحو يجعلك تتذكر بعض مشاهد الغرز في الأفلام المصرية.. وكنا نضحـك وننتشي على بعض المشاغبات والتعليقات الرئاسية الفاخرة حتى ولو أتسمت بشيء من السذاجة والسماجة، لكن مع ذلك كنا نقـهقه معهم فإذا ابتسم الرئيس فلابد أن نضحك، وإن ضحك القائد فلابد أن نقهقه، أما إن قهقه فخامته فما على المواطن العربي إلا أن يستلقي على قفاه من الفـرح والحبور ولا بد أن تدمع عيناه من فرط السعادة على هذه الهبة والمنة الرئاسية، لكن أين نحن من كل ذلك.. كان ذلك صرحاً من خيال فهوى.. مضى زمن الحبور ووقت الفرفشة!!

كنا نتابع بعض المناكفات والشد والجذب.. ونتفرس في الوجوه لنستجلي ما سيخرج من توصيات وقرارات!

حرام لقد افتقدنا في قمة بغداد للزحماء العرب من القيادات "الراسخة" التي طبعت شخصيتها وملامحها على دولها فصارت من لوازم الأوطان مثلها مثل الخريطة أو علم الدولة.. أعلم أن هناك من سيعارضني بحجة أن بعض الرؤساء أثبت وأرسخ من خريطة الدولة لكنني أتحدث هنا عن الأعم الأغلب، لقد توحشنا لعدم رؤية تلك القيادات الجبرية القسرية التي جاءت لكراسي الحكم عن طريق صناديق "الاختلاع" ولمن لا يعرف هذه الصناديق من صبية وشباب العالم العربي الجديد، أقول: إنها صناديق حديدية مجنزرة تسير أسراباً تثير الخوف والرعب والاختلاع فيما الناس نيام، وفي أثناء سيرها فإنها تقوم بإنزال ثلة من العسكر أمام مبنى الإذاعة فيما تواصل بقية الفرقة سيرها نحو قصر الرئاسة وما هي إلا برهة يسيرة من الوقت ثم تشرق شمس يوم جديد على صوت يلعلع من الإذاعة المحلية يبشر الناس عبر البيان رقم واحد بنصر عظيم وفتح جديد وثورة عارمة على الظلم والفساد! إنها شمس العدالة والحرية والمساواة! وإنها ثورة الحرية والنصر المؤزر وطرد المحتل الصهيوني ودفنه في التراب أو قذفه في البحر بحسب اختيار الشعب العربي الحر الذي عليه أن يقرر بكامل إرادته الكيفية التي يفضلها للتخلص من العدو.

وأترك لفطنة المواطن العربي الشاب أو ذلك الكهل ليكتشف حجم التغيير الإيجابي والتحول الثوري الذي أحدثته الأنظمة العربية العسكرية خلال عقود مديدة، كما أترك له تقييم حجم الرخاء والنماء والحرية التي تمتعت بها شعوب تلك الدول الشقيقة.. ثم أدع له المساحة يحسبها بالمتر أو بالكيلو لحجم الأراضي العربية المحررة والمستعادة من العدو الصهيوني!

وله كامل الحق والصلاحية في أن يبحث عن مدفن العدو، كما عليه أن يخمن أين قامت هذه الأنظمة الثورية بقذف إسرائيل براً أو بحراً؟!

لربما أنه دفن في الجولان ولم نلحظ ذلك!! أو أن اللجان الثورية قد طاردته في لوكيربي أو لعله قد تم طيه في لفافة كان يحملها عرفات في هجرته القسرية إلى تونس! لا أدري لكنني أعلم أن حجم الفقد أكثر.. ومساحة الخسارة أكبر.. وأن العدو صار أظفر لكن ماذا نفعل فهذه نتائج ديمومة الكراسي (بالإذن من القذافي) التي جاءت بقيادات عربية عن طريق الانتحاب!! نعم انتحاب وعويل الشعوب التي ثارت أخيراً خلال ربيعها العربي، وأنقذت بلادها المكلومة المظلومة من هذه القيادات الظالمة.. هل تخيلت وأنت تتابع مداولات القمة وطناً مثل ليبيا دون معمر القذافي.. أو مصر دون حسني مبارك أو اليمن دون علي عبدالله صالح أو تونس دون زين العابدين ..وهل تخيلت سوريا دون ذلك الفريق الصارم المتجهم الذي يحيط بالرئيس بوجوههم العابسة وعيونهم التي ترمي بشرر كالقصر ونظراتهم الاستخبارية الصلفة التي تتقلب يمنة ويسرة في أروقة القاعة حفاظاً على بقاء الرئيس وليس بقاء الدولة!

العرب شعوب توطنت على التعود والثبات وعدم التغيير وقد جاءت القمة العربية المنعقدة في بغداد لتفسد مذاق القمم العربية السابقة بعدما غيرت نكهتها الساخرة!