طالت وزير التربية والتعليم مؤخرا الكثير من الانتقادات، عند إجابته عن أسئلة إحدى المعلمات التي اشتكت من النصاب وكثرة الأعمال المطلوب إنجازها بقوله: "إذا لم يكن المعلم سوبرمان فلا يستحق أن يكون معلما". أثارت هذه الإجابة موجة عارمة من الغضب لدى المعلمين مما لا يخفى على أي متابع لاتحادات المعلمين في شبكة التواصل الاجتماعي تويتر.

هذا الحديث عن أبطال الطفولة ذكرني بالفيلم الوثائقي الشهير "في انتظار سوبرمان" الذي يشرح شبكة معقدة من الأسباب التي أدت لتردي مستوى التعليم في أمريكا. يصف الفيلم بشكل مفصل الوضع البائس للطلبة الذين لن يستطيع شخص إنقاذهم منه سوى الرجل الخارق سوبرمان، ليقدم لهم معجزة ويحل مشكلة التعليم التي لن يستطيع حلها البشر بقدراتهم الطبيعية. قد يعجب الكثيرون من أن الشعب الأمريكي غير راض عن مستوى مدارسهم، فالكثير من المدارس السعودية تستغل استخدامها للمنهج الأمريكي للترويج للجودة العالية التي ستقدم لأبنائهم، بل وقد قامت وزارة التربية والتعليم بعقد صفقة تتجاوز قيمتها الملايين للتعاون مع شركة (ماكرو هيل) لإعداد بعض المناهج. وبغض النظر عن ذلك يظل التعليم في أمريكا بحاجة إلى سوبرمان، فهو كما وصفه الفيلم، عبارة عن تجربة مثيرة مرت بالعديد من الوعود التي قطعها كل رئيس لتقديم أفضل ما يمكن لكل طالب في كل ولاية. لعل أشهر هذه الوعود ما قام به الرئيس السابق بوش في ميثاقه الشهير الذي ضمن نجاح كل الطلاب في المهارات التعليمية الأساسية (القراءة والرياضيات) بنسبة 100% ولأجل ذلك قام بعمل اختبار صارم في هذه المواد ليقيس المستوى الحالي. النتيجة الصاعقة كانت تردي مستوى الطلاب بشكل لا يوصف وخصوصا في مقر البيت الأبيض، حيث كان طلاب واشنطن الذين نجحوا في اختبار الرياضيات وفق المعايير المحددة بنسبة 12% فقط. بالإضافة إلى هذه النتيجة البائسة يعاني النظام التعليمي الأمريكي من ظاهرة تسرب الطلبة من المدارس، حيث إن العديد منهم يفضل العمل قبل التخرج أو أنه يذهب للسجن بتهمة المخدرات أو العنف أو ما إلى ذلك. فتوجد في أمريكا أكثر من 2000 مدرسة تسمى "مصانع الفشل" حيث إن واحدة من تلك المدارس تفقد حوالي 800 طالب بين الصف الثامن إلى التاسع. قد يلفت ذلك النظر لأهمية دور المعلم للحفاظ على طلابه، وبالفعل يقوم المعلم الأمريكي صاحب الهمة العالية بعمل قصارى جهده داخل الفصل الدراسي، وقد أثبتت الدراسات أن نتائج طلاب المعلم الناجح تتفوق على طلاب المعلم الرديء بثلاثة أضعاف. لكن تبرز مشكلة أخرى في النظام الأمريكي وهي القانون الصارم الذي يحمي المعلم من أي عقوبات والذي لا يستطيع حتى الرئيس باراك أوباما تغييره بسبب قوة اتحادات المعلمين. ما تقوم به هذه الاتحادات هو تثبيت وظيفة المعلم الذي باشر عمله لمدة عامين فلا يستطيع أي شخص فصله حتى لو قام بضرب الطالب. ما تقوم به المدارس للتخلص من هؤلاء المعلمين هو "إهداؤهم" لأصدقائهم في المدارس المجاورة كل على أمل أن تكون "المصيبة" التي ستأتيه أخف مما أعطاه لغيره. أي إن ما يحدث هو إعادة تدوير المعلم السيئ بين المدارس دون أن ينال أي عقاب (ما عدا في بعض الولايات). كما تقوم هذه الاتحادات بتصعيب أي إجراء لتقييم المعلم، فحتى ينال الأخير تقييما سيئا، يجب على المشرف القيام بسلسلة طويلة من الملاحظات والمقابلات بتواريخ معينة. المشكلة، كما يصفها الفيلم، أن الاتحادات ترفض حتى النقاش في أي تغيير لهذا النظام، فحتى بعض المحاولات التي وعدت المعلمين بزيادة رواتبهم ومكافأتهم بناء على الأداء الوظيفي باءت بالفشل الذريع لرفضهم حتى القيام بالتصويت على هذا القرار. ما يحدث هنا أن القوة التي يملكها الاتحاد بدأت تنقلب على مصلحة نظام التعليم الأمريكي، فسرعان ما يصاب المعلم بالإحباط لعدم مكافأته ولعلمه أن وظيفته مضمونة بغض النظر عن مستوى أدائه.

نظام تثبيت المعلمين بدأ أساسا في مؤسسات التعليم العالي لتقديم الحماية الوظيفية للأساتذة ضد كافة الضغوط والمتغيرات السياسية، وللحصول على هذا الثبات الوظيفي الجامعي، يخضع الأستاذ لإجراءات طويلة صعبة الاجتياز. لكن سرعان ما تبنى التعليم العام هذا النظام لحماية معلميه دون اتباع أي إجراءات لتخدم النظام على المدى الطويل ودون تقديم مصلحة الطالب.

وظيفة المعلم من أصعب الوظائف لما فيها من تخطيط ومهارات التقييم وحل المشكلات وما تتطلبه من سرعة البديهة حتى يستطيع التعامل مع كل طالب لديه بناء على احتياجه وظروفه الخاصة. لكن هذا النظام الذي لا يكافئ المعلم الناجح سرعان ما يثبط من همته لأن نجاحه أو فشله لن يحدث أي فرق في مسيرته المهنية.

تتعدى هذه المشاكل المجال التعليمي لتشمل رجال الأعمال الذين لا يستطيعون توظيف الأيادي الأمريكية لعدم جودتها ومنافسة تلك الأجنبية مما يهدد تفاقم مشكلة البطالة ويؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي. أيضا توجد في أمريكا مشكلة تأثير الفقر، حيث أثبتت الدراسات وجود فجوة كبيرة بين مستوى طلاب المدارس الغنية وتلك الفقيرة، وحتى محاولات زيادة ميزانية الطالب في المدرسة لم تجدِ أي نفع ولم ترفع من نتائج الطلاب إلا في بعض المحاولات الإصلاحية مثل ما قام به جيفري كاندا في مدارس منطقة هارلم في نيويورك.

هل يشبه السيناريو الأمريكي ما لدينا في السعودية؟ بالتأكيد نختلف في بعض النقاط ولكننا نتشابه في أغلبها وبناء على رأيي المتواضع أعتقد أننا نسير بخطى واثقة وسريعة في نفس الطريق لكن بشكل أكثر تخبطا في ظل انعدام أبسط الدراسات لمعرفة الوضع الحالي. ما يستطيع الكل الجزم به أن الحال لدينا أسوأ بشكل عام، حيث إن المعلم سوبرمان هو أكثر شخص "في انتظار سوبرمان".