فرنسا التي تحكم قبضتها الثقافية لمستعمراتها القديمة ودول المغرب العربي، استخدمت نوعاً جديداً في استطلاعات الرأي وقياس حظوظ المرشحين أطلق عليه تقنيا اسم Big Data أوالبيانات الضخمة، وهي الملايين من البيانات الرقمية التي ينتجها البشري المتصل كل لحظة، عبر تطوير خوارزميات متخصصة لاستغلالها في التحاليل المختلفة والتي توفر أداة جديدة لتقييم الرأي العام.
الأكثر حظاً في الرئاسة
وتكمن المفارقة في أن المرشحين الذين نصبتهم استطلاعات الرأي لم يأتوا بحسب الترتيب وهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، كأحد أبرز المرشحين المحتملين للوصول إلى كرسي الرئاسة بقصر قرطاج، ومرشح حركة النهضة الإسلامي عبدالفتاح مورو، وعبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع الحالي، وأكثر المرشحين علاقة بالنظام السابق، نبيل القروي رجل أعمال كبير وصاحب نشاطات إعلامية ومالك قناة نسمة، قيس سعيّد (61 عاماً)، أستاذ القانون الدستوري بجامعة تونس.
ولكن فوز قيس سعيد ونبيل القروى على التوالي بنتائج الانتخابات الأولية قلب الطاولة على أعتى شركات استطلاعات الرأي في فرنسا التقليدية منها والحديثة مثل الـBig Data، بعد أن ذهبت الغلبة لأصوات الأغلبية الصامتة وسط الشعب التونسي مقابل هزيمة الأغلبية الصاخبة.
ويرى كثيرون أن فرنسا دأبت على أن تنشر توقعات استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات في المغرب العربي ممزوجة بميولها على المكونات التقليدية التي دأبت على أن تتبع لقصر الإليزيه قبل قصر قرطاج، وأبرزهم ابن علي وبوتفليقة، ولم تحسب أي حسابات للقوى الحديثة، خصوصاً التي جاءت بثورة الياسمين.
ورجح البعض تقدم المرشح الرئاسي نبيل القروي صاحب قناة فضائية ورئيس حزب قلب تونس حديث النشأة يعود إلى تأثير القناة التي يمتلكها ونشاطه الخيري بالدرجة الأولى، إلى جانب المناخ العاطفي الذي أبرزته الحالة القانوينة وإدارته للانتخابات من داخل محبسه على ذمة التحقيقات.
ثورة على النظام القديم
واعتبر محللون محليون أن الناخب التونسي بدأ ثورته على النظام القديم، وكل من يمثله منذ الانتخابات المحلية السابقة، لافتين إلى أن حصول مرشحين مثل قيس سعيد على النسب الأعلى من الأصوات دليل على أن الانتخابات جاءت للفرز بين من هم من داخل منظومة الحكم ويمتلكون أدوات الدولة أو علاقات دولية أو ثروة وموارد مالية على جانب، ومن لا يملك كل ذلك على الجانب الآخر في محاولة لإحياء الروح الثورية من جديد.
وبالعودة إلى مؤشرات واستطلاعات تقنية Big Data التي فضحت اهتمام فرنسا بالشأن التونسي الداخلي، فيقول محللون إن هذه التقنية سبق أن نجحت في توقع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وغلبة الفريق المناهض للبقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء البريطاني حول Brexit، رغم أن استطلاعات الرأي التقليدية كانت ترجح غير ذلك في الحدثين السابقين.
جدوى استطلاعات الرأي
وحذر موقع FiveThirtyEight الأميركي المتخصص في تحليل البيانات من جدوى استطلاعات الرأي العامة المبكرة وأنها لا معنى لها في التنبؤ بمن سيفوز بالرئاسة في هذه المرحلة، لأن المشكلة تكمن في وجود الكثير الذي لا نعرفه عن القدرة على الانتخاب، لأن الناخبين لا يفكرون بالضرورة في إمكانية الانتخاب بطريقة عقلانية.
ودعا الكاتب جيوفري سكلي في مقالة بعنوان «لا تستخدم استطلاعات الرأي العامة للتنبؤ بنتائج الانتخابات الأولية أو التمهيدية» إلى ضرورة استكشاف نوع البيانات التي يمكن استخدامها لتحسين الفهم تجاه القدرة الانتخابية، وماذا يعني ذلك بالنسبة للسباق الرئاسي، وتساءل هل تخبرنا استطلاعات الرأي المباشرة المبكرة بأي شيء عن مدى جودة أداء المرشح في الانتخابات التمهيدية؟
بناء نموذجين للتنبؤ
ويقول الكاتب إن موقع FiveThirtyEight اختبر فكرته بجمع الاستطلاعات التي أجريت في النصف الأخير من السنة التقويمية قبل الانتخابات التمهيدية الحالية في أميركا، وقام ببناء نموذجين للتنبؤ بكيفية قيام كل مرشح في نهاية المطاف في مسابقة الترشيح، الأول، يستخدم استطلاعات الرأي في السباق الأساسي، والثاني، استخدم هذين العاملين بالإضافة إلى دمج أداء المرشحين في استطلاعات الرأي العامة في الانتخابات العامة، وذلك من أجل الوصول إلى التنبؤ بمن سيفوز بالترشيح.
لماذا فشلت استطلاعات الرأي في الانتخابات التونسية
- فشل الاستطلاع بتقنية Big Data الحديثة فضح مصداقيتها
- الاستطلاعات لم تضع في الحسبان الأغلبية الصامتة
- التونسيون يريدون متابعة ثورتهم على النظام القديم
- الاستطلاعات الفرنسية تمزج دائما بميول السياسيين نحو قصر الإليزيه
- مشكلة الاستطلاعات تكمن في عدم معرفة الكثير عن القدرة الانتخابية