حقيقة أمام هذه القصة العظيمة من قصص الشهامة والتضحية الكبيرة التي جسدها خويتم بتنازله عن المتسبب في مقتل ابنه، وهو يقدم العفو على أي أمر آخر امتثالا لأمر الله «فمن عفا وأصلح فأجره على الله»، فقد توقفت طويلا وأنا أسترجع عشرات القصص لحوادث قتل سابقة، وقد تحولت فيها مجالس الصلح إلى حفلات وشيلات وشعر وشعراء، ومهرجانات للأكل تنحر فيها عشرات الرؤوس من الأغنام والجمال، ووصلت فيها الديات إلى أرقام فلكية من ملايين الريالات بما لا يمكن أن يخطر على بال أحد، وهدايا وسيارات وعقارات وتجمعات قد تنطوي عليها مخاطر نتيجة لاختلاف الآراء وتعارضها، حتى أضحى الأمر تجارة لها سماسرتها وموظفوها وطالبوها ومنتفعوها، فتشكلت من مهرجانات الديات ظاهرة مزعجة للمجتمع، جعلت العقلاء يتنادون إلى تدخل الدولة لوضع حد لهذه العبثية والفوضى التي تحدث، وتذهب فيها ملايين الديات لجيوب الوسطاء والمتنفعين والمفاوضين وأتباعهم، وكانت دعوات العقلاء تنطلق من أهمية حماية نسيج المجتمع الذي أنهكته التجمعات والتبرعات وأرهقت فيها القبيلة بحفلات لجمع الملايين التي تذهب هدرا، وليتها استثمرت في أمر لصالح الميت أو أسرته بما ينفعه أو ينفعهم في الآخرة، عموما كان لزاما الاستجابة لدعوات العقلاء وقطع الطريق على تجار الدم.
وقد سمعت أخيرا، أنه تم إقرار العمل بتوصية مجلس الشورى التي تقدم بها مشكورا الدكتور هادي اليامي، العضو الفاعل داخل المجلس في لجنة حقوق الإنسان، لتحديد ديات الصلح، على أن تراعي وضع أسرة المقتول وظروفها المحيطة بها وظروف الحدث، ومن خلال متابعتي للموضوع فهمت أن المبلغ المحدد قابل للتفاوض والمراجعة، وأنا حقيقة أدعو إلى أهمية الالتزام بما أقر من قبل الجميع، والأخذ بما تمت التوصية عليه، وأن يتعاون الجميع، خاصة شيوخ ونواب القبائل، على تطبيق التوصية حتى لا تعود ظاهرة المتاجرة بالدم إلى السطح، ونعود إلى نقطة البداية التي شكونا منها كثيرا.