السقوط المريع أن يتسول الكاتب أو الصحفي بقلمه في طريق الكلمة المكتوبة. وماذا يمكن أن أكتب أو أرد به على ذلك الكاتب الشهير بالمتسول الأول، الذي يلاحقني بكتاباته شبه اليومية، والذي تعود أن يقف على أبواب مكاتب ومنازل الوجهاء والأكابر بالساعات والأيام، من أجل الحصول على عطاياهم في صيغة شيكات أو رزم من النقد، مدعيا في تسولاته إما أن سيارته قديمة ويريد تجديدها، أو أن عليه دينا لم يستطع تسديده، غير قانع براتبه الكبير والذي يفوق راتب ثلاثة صحفيين متفرغين، وهذا إضافة إلى مكافآت كتاباته في أكثر من وسيلة والتي لا تخرج عن أحد أمرين لا ثالث لهما، إما شتم لدرجة الفجور، أو مدح مقيت يمارس من خلاله تسولا على أعلى المستويات، وقد فكرت.. هل أرد عليه أم أسكت؟ وألقم فمي حجرا، لأن الضرب في الميت حرام -كما يقولون- ولا بد إذا لزم الأمر مستقبلا من التعامل مع هذه الفئة بطريقة أخرى غير الرد الكتابي، والذي قيل إن بعض الزملاء استعملوه فنجح معهم، لكن الذي يحز في النفس أن هذا المتسول استمرأ التسول بالكلمة، والذي لا يدفع له يفتح عليه النار من كل الجبهات، وكأنه «حطيئة» زمانه الذي لم يسلم منه أحد. والطريف أن هذا المتسول دائما ما يتشدق متفاخرا في المجالس والمقاهي التي يتطفل على مرتاديها، أن هذه هي طريقته في الحياة، وأنه لا يرضى عنها بديلا، بل إنه يشجع بعض جلسائه على ممارستها، لكنهم يعتبرون أن ما يقوله نوع من أنواع التفكه والمؤانسة ما دامت الظروف أتت به إلى مجلسهم، وأعتقد جازما أن من يقبل أن يمد يده مرة واحدة متسولا، من الصعوبة أن يكفها مرة أخرى، فما بالكم بمن ظل يمدها نصف قرن من الزمان منذ أن بدأ يعي قيمة الدرهم والريال؟!. والفرق الوحيد بينه وبين الذين يتسولون عند إشارات المرور، أن بعضهم قد تجد لهم العذر لحاجته، أما الطامة الكبرى فهي الذي يتسول بالكلمة وثيابه نظيفة وغترته مُنَشّاة، وسيارته شبه فارهة ثم يدعي «كذبا» أنه ضعيف ومسكين، لاستدرار عطف «الكبار» الذين مهما أجزلوا العطاء تلو العطاء، إلا أنه لا يشبع، وقد حصل في النهاية على لقب «المتسول الأول في شارع الصحافة».
*1995