الحديث عن السعودية في جانب تعزيز السياحة الداخلية والترفيه حديث يُدار ويُثار منذ زمن بعيد، وهذا الأمر ليس بالموضوع الغريب، فالسياحة بشكلها العام لها أهمية بالغة في مختلف دول العالم لا سيما أنها لم تعد تقتصر على الترفيه والتسلية والسفر، بل أصبحت مرتبطة بشكل كبير بالنمو الاقتصادي وبالناتج المحلي للدول، وباتت أحد الأنشطة الاقتصادية المهمة للتنمية الشاملة وتعزيز وتحسين جودة الحياة للفرد بما تجلبه من استثمارات في مشروعات للخدمات العامة والبنية التحتية، وهو بدوره الذي سيقود لزيادة مصدر الدخل للفرد وتوفير فرص عمل وزيادة فرص الاستثمار سواءً للمنشآت المحلية الصغيرة والمتوسطة أو للكبيرة.

ومع الرؤية الطموحة للمملكة لم يعد الحديث عن السياحة والترفيه بالسعودية مجرد شعارات رنانة نسمعها بل أصبحت أحد المستهدفات الطموحة للمملكة في تطوير قطاع السياحة والترفيه، وأتذكر حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما تحدثَ بكل جرأة وشفافية في إحدى المقابلات التلفزيونية، حول حجم المبالغ التي تخرج خارج المملكة، وتستهدف قطاع الترفية والسياحة، وذكر أنها قرابة 22 مليار دولار سنوياً، ولنا أن نتخيل أن هذا المبلغ الذي لا يُستهان به يذهب خارج المملكة رغم ما تمتلكه بلادنا وتزخر به من مقومات وإمكانات طبيعية وحضارية وتراثية وثقافية.

وما يدعو للتفاؤل حقيقة هو ما تعمل عليه المملكة في مبادرة مواسم السعودية التي تُبرز الدور الفاعل والحلول والإجراءات التي اتخذتها مراكز الحكومة في عمل جاد وبخطوات متسارعة لاستثمار قطاع السياحة والترفية بالداخل، والذي يتعدى الكسب المادي لتوثيق تلاحم المجتمع وترابط أفراده وتوطيد روح المواطنة والاعتزاز بالوطن من خلال إبراز الوجه الآخر للسعودية الذي يبرز مكامن قوتها وفرصها المتميزة في هذا الجانب.


ومما يزيد التفاؤل هو أن ولي العهد يرأس اللجنة العليا لمبادرة مواسم السعودية التي تأتي في هذا العام بنسختها التجربية، وتضم في عضويتها عدة جهات حكومية، وهذا بلا شك سيعطي القوة لهذا المشروع التنموي الذي سيدعم البنية التحتية لقطاع الترفيه والسياحة الوطنية مع توفير التسهيلات الخاصة في القطاع، وتقديم خدمات مميزة بجودة عالية وأسعار تناسب مختلف شرائح المجتمع، بل سيزيد من فرص الوصول للطموح الكبير في استقطاب السائح الدولي للمملكة ليكون مفهوم تنوع مصادر الدخل للمملكة قولاً وفعلاً بالمستقبل القريب.

إن الملاحظ لهذه الجهود المبذولة في مبادرة مواسم السعودية ومواسمها التي أطلقت سواء في المنطقة الشرقية وجدة والطائف وموسم السودة وصولاً للمواسم الأخرى المرتقبة كموسم الرياض والدرعية والعلا وحائل، يدرك أنها أدت إلى إحداث نقلة نوعية وتغير في نظرة كل قطاعات الدولة وإلى تضافر الجهود لإبراز أهمية السياحة والترفية في الداخل، وبات المواطن السعودي يحمل وعياً واطلاعاً سياحياً كبيراً وتفاؤلاً تجاه السياحة الداخلية رغم أنها في خطواتها الأولى وفي سنتها التجريبية، وأصبحت السعودية بوجهها الآخر تستهدف بالدرجة الأولى السائح السعودي والمقيمين بالمملكة مع طموحها العالي للوصول إلى اجتذاب السائح الدولي لدعم نمو السياحة والترفيه بالمملكة والترويج لها بشكل يوازي مكانة المملكة وما تملكه من مقومات لإثراء التجربة السياحية بالداخل.

وفي وجهة نظري الشخصية فإن الاستمرار لدعم هذا التوجه والاستفادة من التجارب الحالية بمواسم السعودية وإطلاق إستراتيجيات مستدامة لتنمية البيئة السياحية والترفيهية بالمملكة من خدمات وفنادق ومنتجعات وخيارات مميزة للمطاعم والمقاهي والبرامج الترفيهية الأخرى، إضافة إلى دعم البحوث التسويقية الدقيقة في جانب السياحة والترفيه ليأتي بعدها التخطيط والتنفيذ للبرامج السياحية والترفيهية، وما يصاحبها من حملات اتصالية وتسويقية تركز على الوجهات ذات الميزة التنافسية وتطرح نماذج سياحية جديدة تلبي خيارات السائح بالأسلوب المعاصر الحديث الذي يقوم على فكرة تسويق التجربة السياحية النموذجية الممزوجة بالمعلومات بطريقة الرواية والقصة، فالمجتمع الحالي يتسم بالاهتمام بالمشاعر والتجارب الشخصية التي سيتلقاها لاتخاذ قرار السفر وزيارة المقصد السياحي، وهذا بدوره سينتج لنا قيمة التنوع والثراء والاستقطاب لدعم قطاع السياحة والترفية بالسعودية، رغم ثقتي المطلقة بأن قطاع السياحة والترفيه بالمملكة سيكون مختلفاً ومميزاً خلال الثلاث والخمس سنوات المقبلة لا سيما مع التطور والنمو الذي ستشهده الوجهات السياحية القائمة حالياً ودخول وجهات سياحية جديدة بالمملكة كنيوم والقدية والبحر الأحمر وغيرها من الوجهات الأخرى.