تحمل الأيام القادمة تباشير تعيين خامس رئيس متفرغ للمجلس الأعلى للقضاء، أو سابع قائد له منذ إنشائه، والذي نرجو ألا يخرج من عباءة القضاء العدلي، كما نرجو أن يكون ذا رؤية طموحة في الأخذ بأفضل أسباب الرقي بمرفق القضاء وأقربها إلى الغاية التي يرجوها كل من يهمهم تطوير القضاء ورفع كفاءة القضاة.
واقتباسا من قول الله جلت عظمته {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}، فإننا نفتح منذ الآن لفضيلة الرئيس القادم أيدينا مرحبين به بيننا، كما نشرع له قبل ذاك قلوبنا؛ متمنين له دوام التوفيق في عمله الذي سيوكل إليه، داعين له في السر والعلن بصلاح النية وصواب العمل، داعمين مقامه بالرأي والمشورة والنصيحة، ولعل فضيلته يتأمل معنا هذه الأمور قبل الشروع في مهام وظيفته نائبا عن ولي الأمر في رعاية القضاء وشؤون القضاة.
أولا/ لا بد من استشعار أمانة الولاية، التي قال عنها عليه الصلاة والسلام (وإنها يوم القيامة خزي وندامة؛ إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها).
ثانيا/ لا بد من استحضار مرارة العاقبة، كما قال صلى الله عليه وسلم (وإنها ستكون ندامة وحسرة؛ فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة).
ثالثا/ لا بد من استدامة الصدق مع الله، واللجوء إليه، والتماس التوفيق منه، والتوكل عليه في كل الأمور؛ روي عن أبي هريرة أنه قال (من ولي من أمر الناس ولاية، وكانت نيته على الحق، وكل به ملكان يوفقانه ويرشدانه، ومن ولي من أمر الناس شيئا، وكانت نيته غير الحق، وكله الله إلى نفسه").
رابعا/ لا بد من مد جسور التواصل الصادق مع: شركاء المهمة، ورفقاء الطريق، وطالبي الغاية المرجوة؛ فالمرء كثير بإخوانه، قوي بأعوانه؛ ولنعتبر بقول قوم شعيب عليه السلام {ولولا رهطك لرجمناك}.
خامسا/ لا بد من الحرص على الاجتماع، ونبذ الفرقة، والاستهداء بقوله جل جلاله {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم}، وقوله عليه الصلاة والسلام (فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية).
سادسا/ لا بد من رسم الخطط وتحديد الأهداف في الأيام الأولى، وتفعيل أدوار الأعضاء المتفرغين بما يسرع من عملية التكامل التطويري لأداء المجلس.
سابعا/ لا بد من القضاء على معوقات العمل الجاد؛ بتسخير ساعات الدوام كاملة للعمل الجماعي، والتحرر من مقابلات التهاني والتبريكات، ومن لصوص الأوقات، ومحترفي المجاملات.
ثامنا/ لا بد من اجتثاث النباتات الضارة من جذورها، بتفويت الفرص على السعاة والمشائين بالنميمة؛ حتى لا تأتي مكائدهم على الأخضر واليابس، فتحيل الديار بلاقع؛ ولنكن كما قال عز وجل {ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم}.
تاسعا/ لا بد من اعتقاد أن الواجبات أكبر من الأوقات، وأننا مهما سخرنا كامل طاقاتنا وجميع مقوماتنا: فلن ندرك ما هو مطلوب منا، وبالتالي: فإننا لا نستحق كل الشكر على شيء نقصه حتم وقصوره مفترض.
عاشرا/ لا بد للنجاة من: صدق الإيمان، وصريح التقوى، والاعتبار بحال الأمم الخوالي التي بنت الأمجاد، وعمرت البلاد، ثم فارقت الحكم، وتركت التلاد؛ فإن حلاوة المنصب أعواما تذهبها مرارة العزل في لحظة؛ قال عز من قائل {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون (52) وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}.
فضيلة الرئيس: ستجد المجلس أمامك جهازا زاخرا بالكوادر المتطلعة لكل جديد ومفيد، وستقابل المئات من قضاة المحاكم في مدن ومحافظات ومراكز المملكة، وسترى في أعينهم حسن التوقير وصدق التقدير لشخصكم الكريم، وستشعر باستبطائهم لمقدمك، وترحيبهم بحضورك، وستلمس قدر حاجتهم لما يؤملونه من فضيلتك، وستقف على الكثير من حاجاتهم ومطالبهم؛ فأعد لكل ذلك عدته، وخذ لذلك الأمر أهبته، ولا تأل في ذلك نصحا، ولا تدخر لتحقيقه وسعا؛ فإنهم قد أسلموا إليك فيه بتقديم حبهم لك ثمنا، وسيكون دعاؤهم لك مكافأة.
إنني أعلم يقينا: أن ما قدمته آنفا مما لا يجهله أدنى طالب علم، ولكنها وصية منا - معاشر القضاة - لأنفسنا ولفضيلة الرئيس القادم، نستذكرها ونذكره بها ولا نعلمه إياها، وأزيد على ذلك فأقول لفضيلته: إن من يتقلد ولاية ما لا بد للجميع أن يمهلوه قبل المطالبة، وأن يعذروه قبل المحاسبة، وقد تعارف الناس على الإمهال ثلاثة أشهر لكل رئيس أو مدير جديد، وإنا لجاعلوها لكم ستة أشهر وزيادة، أعدكم أن لا أبدأ المطالبة قبل تمامها، فأعنا على نفسك وجهازك وأعضاء مجلسك، نعنك على توضيح ما نطلبه منك وعلى بيان ما يجب عليك. والله معك..