في خبر ورد الأسبوع الماضي أن عدد المستفيدين من برنامج حافز بلغ 1.35 مليون شخص، وهو رقم له دلالته إذا ما قورن بنسبة القوة العاملة السعودية الإجمالية التي تشكل حوالي 30% من مجموع السكان، أي أن مجموع المواطنين العاملين في الاقتصاد اليوم يتراوح في حدود 5 ملايين سعودي في مقابل حوالي 7 ملايين أجنبي. وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة للأرقام فإن الرؤية العامة توضح أن نسبة البطالة في ازدياد حيث تخرج مدارسنا ما لا يقل عن 200 ألف طالب سنويا في حين لا يقوم الاقتصاد بتوفير ما يكفي من الوظائف لاستيعاب هؤلاء الشباب. المعضلة ببساطة أنه لدينا صنبور مياه يتدفق بلا توقف في حين لا نملك وعاء كافيا لاحتوائه، وبالأصح وعاؤنا ليس مخصصا لأبناء الوطن بسبب التشوه الذي يعانيه الاقتصاد، ففي الوقت الذي يقوم اقتصادنا فيه بخلق فرص وظيفية جديدة نجد أنها في الواقع فرص مهيأة للعامل الأجنبي أكثر من السعودي. المملكة تشهد مرحلة تنمية اقتصادية، وقطاع البناء كمثال يشهد جزءا كبيرا من هذه التنمية والسؤال هنا هو: كم وظيفة يخلقها هذا القطاع للسعوديين اليوم؟ قطاع البناء أبلغ مثال حيث تشهد المملكة مشاريع بمليارات الريالات ولكن لأن هذا القطاع كمثال يعتمد على اليد العاملة الماهرة في البناء والحدادة والنجارة وغيرها نجد أن غالبية الوظائف التي يخلقها القطاع تذهب لليد العاملة الأجنبية بدلا من السعودي غير المؤهل أو الرافض للعمل في هذا القطاع، وذات المثال ينطبق على قطاعات أخرى متعددة كالصناعات التحويلية وغيرها.
مشكلة البطالة لدينا متعددة الأوجه، فمن جهة تتعلق بنظام التعليم الذي فشل في خلق جيل مؤهل للعمل في كثير من القطاعات الحيوية، ومن جهة أخرى تتعلق بمشكلة اجتماعية تتلعق بالرفض الاجتماعي لنوعية أعمال معينة تشكل القاعدة التوظيفية الأساسية في أي اقتصاد سليم، ورغم كل التحفظ على سياسة توظيف الأجنبي في اقتصادنا إلا أن الحقيقة التي يجب الإقرار بها هو أننا كأفراد في هذا المجتمع لا نزال نترفع عن قبول وظائف العمالة اليدوية التي تشكل قاعدة الهرم في أي اقتصاد، وفي المقابل لا تزال سياستنا الاقتصادية قاصرة عن إنتاج حوافز غير مالية تساعد على نقل اقتصادنا إلى اقتصاد عمالي سليم نرى فيه السعودي وقد تصدر إلى واجهة العمل في المصانع وفي تشييد المباني وفي الخدمات وفي الفنادق والمطاعم والنقل وغيرها من القطاعات العريضة. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبح جميع العاطلين مديرين ومعلمين ومعلمات ورجال أمن، هناك هرم اقتصادي طبيعي وفيه يصبح دور الميكانيكي وعامل البناء والبائعين في المحلات أهم من المدير، وهو الدور الغائب عن السعودي اليوم.
إجبار الشركات على السعودة ليس حلا استراتيجيا سليما على المدى الطويل، فهو نقل لمسؤولية الجهات الحكومية الأساسية في التأهيل والتدريب إلى القطاع الخاص، والشركات طورت مع الوقت استراتيجيات تساعدها على تجاوز شروط السعودة بذكاء، فرفعت من أعداد موظفيها السعوديين ولكن زادت في المقابل نسب العاملين الأجانب الذين يقومون في الأساس بغالبية العمل، مما حول السعودة بصورة أو أخرى إلى ضريبة تدفعها الشركات بدلا من برنامج وطني تشارك فيه وهو أمر طبيعي لقطاع خاص هدفه الأساس هو البحث عن الربح المادي. وفي المقابل فإن برنامج حافز ليس سوى مسكن آلام وقتي لتعطيل النظر في الاستحقاق الذي سيأتي يوما ما لا محالة، ولا يمكن تصور استمرار هذا البرنامج الذي طبقا لآخر رقم لأعداد المستفيدين منه سيكلف الدولة سنويا ما لا يقل عن 32 مليار ريال مع ترجيح ازدياد نسبة تكلفته بسبب الزيادة السنوية المفروغ منها في أعداد السعوديين العاطلين عن العمل، ومن ينظر لحال السعودة وغيرها من البرامج بصورة إجمالية على مدى الأعوام الماضية سيرى أنها على الأغلب قامت بتخفيف الضغط ولكنها لم تشكل ولم تقدم حلا بأي حال من الأحوال.
إن أكثر ما أضرنا هو المفهوم الريعي الذي خلقته لنا العوائد الضخمة للنفط بين ليلة وضحاها، فأنتجنا رفاهية قائمة على عوائد الثروات الطبيعية الناضبة بدلا من عوائد إنتاج الأفراد المتجدد في الاقتصاد، واليوم يظهر لنا تشوه اقتصادنا من خلال نسب بطالة تزداد نتيجة بنية اجتماعية وتعليمية تشوهت عندما جعلناها تتمحور حول فكرة أن الثروة استحقاق طبيعي تجود به الأرض وليس استحقاق نتيجة العمل والجهد.
المفهوم الريعي جعلنا نظن أن المال سيعفينا من استحقاق إيجاد منظومة تعليمية قوية قادرة على جعل المواطن السعودي منافسا حقيقيا في سوق العمل، وشوهت بالتالي بنيتنا الاجتماعية، فالمواطن السعودي الذي شارك في الخمسينات كعامل في بناء خطوط التابلاين مع شركة أرامكو اختفى اليوم، وحتى يعود هذا المواطن مرة أخرى لدوره، سنظل ندور في حلقة مفرغة بحثا عن حلول لبطالة لن تنتهي.