وقد تسببت ظاهرة الانغماس الكلي في الفضاء الرقمي بعزلة اجتماعية مقنعة، وأحيانا سفرة، سواء على مستوى الأسرة والأقارب، أو على مستوى الجيران والمجتمع، وذلك بغض النظر عن طبيعة التعامل مع محتوى ما يشاهده المستخدم، والإدمان الذي يقتل وقته، ويستهلك طاقته دون جدوى، حيث نشأ تبعا لذلك نوع من الانفصام الأسرى، والاجتماعي المقلق، بعد أن ظهر جيل لا يأبه للحديث مع الأهل والمجتمع، وبذلك اضمحل التواصل الاجتماعي الحي، وغابت السيطرة الأخلاقية في البيئة الاجتماعية الحاضنة.
وهكذا طالت تحديات العصرنة، بآثار تداعياتها السلبية، صميم حياتنا اليومية الراهنة، بتسفيه العادات، والتقاليد الحميدة، حيث بدأنا نلمس اليوم، جنوح الجيل الجديد صوب الانسلاخ التدريجي من سيطرة البيت، والتفلت من ضوابط المجتمع بشكل واضح، والانزياح في الوقت نفسه بمسارات غريبة عن المألوف، من موروثنا الاجتماعي، بعد أن تفاقمت فجوة الجيل، وغابت ظاهرة الترادف التقليدي بين الأجيال، مع غزو العصرنة الصاخبة، الأمر الذي يهدد بتفكك قيمي واجتماعي قد يقود إلى الضياع والاستلاب في المستقبل القريب.
وإذا كان لا بد من العمل على إعادة هيكلة واقع الحال الراهن، المثقل بكل سلبيات هذه التداعيات، وإعادة تشكيله بما يتلاءم مع معايير التحديث، والعصرنة، حتى يمكننا التعايش بتوازن مع معطياتها، والتكيف مع إنجازاتها المتسارعة بأقل ضرر يلحق بأصالة هوية وجودنا الاجتماعي وموروثنا الثقافي، فإن ذلك ينبغي أن يتم في إطار الحرص الواعي، على الحفاظ على أصالة هوية الموروث الحضاري لمجتمعنا، وعدم التفريط بها مهما كانت ضغوط إغراءات الحداثة جذابة وملحة.
لذلك بات الأمر يتطلب الانتباه الجدي، إلى مفاعيل سلبيات تداعيات العصرنة المتسارعة، التي طالت عواقبها كل جوانب حياتنا الراهنة، من عزلة اجتماعية، وانغماس مقرف، وابتعاد عن موروثنا الديني، والحضاري، والتراثي، ومن دون إغفال حقيقة كون هيمنة الثورة الرقمية قد أصبحت اليوم سمة عصر، وثقافة واقع حال راهن، وبالتالي فإنه لا مناص من التفاعل الخلاق، والتعايش البناء معها، والانتفاع من كل ما هو مفيد منها، ونبذ ما هو ضار، من دون الانغماس الكلي الآلي فيها، أو تركها، والانسحاب منها كليا.