في ظاهرة لافتة أصبح الجميع يتحدث عن الشباب وثقافتهم واتجاهاتهم الفكرية ورؤيتهم للمستقبل بعد أن كانوا لدى البعض مجرد "مراهقين" لا يقدمون ولا يؤخرون. وهو أمر لا شك إيجابي حيث إن الرعاية والاهتمام الحقيقي بهذه الفئة المهمة جدا في تحديد مسار المجتمع والوطن، من أكثر أولويات المجتمعات المتحضرة. وهنا يمكن الإشارة إلى ما ذكره مدير "ملتقى النهضة الشبابي" الدكتور مصطفى الحسن في حوار ضمن برنامج "لقاء الجمعة" بقناة "روتانا خليجية"، حيث علق على ما أثير حول الملتقى واهتمامه بالشباب بجملة أعتقد أنها مهمة جدا وهي لب القضية التي يجب الاهتمام بها بعيدا عن الجدل الآخر حول (لماذا منع الملتقى؟) فهذا أمر قيل فيه الكثير وهو يخص المنظمين فقط. حيث ذكر أن هناك جيلا جديدا من الشباب الواعي بدأ يتشكل خارج التيارات التقليدية المتصارعة منذ عشرات السنين (الإسلاموية ـ الليبرالية( العلمانية سابقا)، هذا الجيل يؤمن بقدرته على التفكير والتحليل واتخاذ القرار دون أن يكون تحت مظلة أي من هذه التيارات التي تحولت إلى صراعات شخصية بين من يعتقدون أنهم "رموز". ولعل ما يسند هذا الطرح ويثبت مصداقيته هو إصدار بيان وقعه حتى الآن أكثر من 200 شاب وشابة تحت عنوان "ضمان الحريات وأدب الاختلاف" ركزوا فيه على قضية جوهرية يجب أن تعطى العناية التي تستحقها وهي استقلاليتهم ووطنيتهم التي لا يحق لأحد التشكيك فيها حيث جاء في البيان" ندرك ما لنا من حقوق وما علينا من واجبات، لا نقبل أن يشكك أحد في إسلامنا أو وطنيتنا، ولا نقبل أن يتحدث أي تيار أو اتجاه باسمنا بشكل يدعي فيه احتكاره لحق تعليمنا وإرشادنا ونصحنا والوصاية علينا". ويضيف "نحن الجيل الشبابي اليوم، نستنكر ونرفض بشدة عودة هذه الثقافة الصراعية الإقصائية التحريضية، التي لا تؤمن بالتعددية، والحرية المسؤولة، والمجتمع المدني، والوطن الواحد الذي يسع ويحتوي الجميع بكل ألوانه وأطيافه، فعودتها تعني أن الخاسر الأكبر هو: الوطن".
هذا الخطاب النوعي يجب ألا يمر مرور الكرام على المؤسسات الثقافية والإعلامية والتعليمية خصوصا في ظل الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام. فالحاجة ملحة إلى أي صوت يجمع ولا يفرق، وأي صوت يرى الأمور بمنظار أكبر من مناظير الحزبيين والطائفيين وأصحاب الأجندات الخاصة، فما بالك إذا كان هذا الصوت هو صوت الشباب الذي يملك أدوات التأثير العصرية.
إن مثل هذا البيان يعطي دلالة واضحة أن فئات عريضة من الشباب تنظر لتلك الصراعات المزمنة بين تيارات تجازوها الزمن، نظرة سخرية وتذمر، فقررت أن تثور عليها بصوت وطني واحد هو "نحن هنا فاعتزلوا الساحة وكفى ما فعلتموه في مجتمع لا يريدكم ولا يريد حروبكم الشخصية"؟.