كنت طالبة في كلية التربية بجدة وهي في مبناها القديم بجوار ساحة القصاص قريباً من منطقة البلد التاريخية، وكان أكثر ما يميز ذلك المبنى كثرة القطط فيه والتي كانت محظوظة بسلال القمامة المتراكمة دائماً، كما أن المباني في الكلية كانت تعلوها الهناقر الحديدية الباردة الساخنة دائماً، والتي تزدحم فيها عشرات الطالبات المأمورات بعدم ارتداء أي قميص بأكمام قصيرة، وهو ما يستدعيه الحر الشديد، ومن تسول لها نفسها ارتداء (تي شرت) فستلقي القبض عليها الخالة سارة وتشدها من قميصها لغرفة الإدارة، وستكون محظوظة جداً لو لم يكن هناك أحد فيطلب منها كتابة اسمها من قبل الخالة سارة التي تظن أنها تجيد القراءة، ولكن في الحقيقة كثير منا كان يوقع بأسماء الفنانات الشهيرات في ذلك الوقت؛ كندى بسيوني مثلاً!

ما زلت حتى اليوم أتذكر اللغة المتعالية التي استُخدمت معنا بدءاً من الأستاذات -إلا من رحم الله- إلى الموظفات والخالات، وانتهاءً بأكثرهن تحقيراً لنا مثل المحاسبات اللواتي تظن إحداهن أن المكافأة من حلال أبيها؛ لذا عندما قرأت أخبار التجمعات في الجامعات وما أعقبها من تصرفات من الشباب تذكرت غضب جيلنا الذي لا أشك مطلقاً أنه لم يصل أي خبر عنه لصانعي القرار في بلادنا؛ لأننا كجيل فجّرناه في دواخلنا فكان أثره مختلفاً ومتنوعاً في آثاره السلبية.

في الواقع، يخبرنا التاريخ القيادي للرسول صلى عليه وسلم أنه كان عندما ينتهي من صلاة الفجر يلتفت لأصحابه متسائلاً: من منكم فعل كذا؟ بل ثبت أنه كان يسأل عمّا رأوه من الأحلام، هل تتخيلون ذلك؟ إن ما يفعله صلى الله عليه وسلم بشكل مبسط هو دور مراكز أبحاث المجتمع ومراكز استطلاع الرأي، فلا يمكن أن تستمر في النهوض بمجتمعك، بينما من تقوم حياتهم بعد الله على قراراتك مغيبون لا تعرف إن كانوا راضين أو غاضبين؛ لذا في نظري كل تصرفات هؤلاء الشباب بدءاً بـ"اليوزرات" الفضائحية في تويتر إلى التجمعات - ما هي إلا رسالة لإخبار الوطن بما يؤلمهم وهم يرون الشباب يتصرم من بين أيديهم وهم عاطلون عن العمل، أو خياراتهم في الحياة محدودة، وقدراتهم المادية عاجزة عن منحهم فرصة حياة كريمة، وفرصهم الوظيفية يحصل عليها الذين يفترض أن يتقاعدوا ويمنحوا الشباب -وهم الغالبية في هذا الوطن- أن يمارسوا دوراً أكبر.

لا أظن أن هناك عاقلاً سيهمش ما يحدث أو لن يهتم بالبحث عن أصل هذا الغضب لمداواته قبل أن يغرقنا جميعاً، فلا يمكن أن يأتي الغضب بخير لا لهؤلاء الشباب ولا للوطن.