ويأتي الكاتب، وتأتي مهمته أيضاً.. وقد تكون مهمة الكاتب عسيرة وشاقة، وقد تكون متشعبة أيضا، ولا أبالغ إن قلت إنها مهمات متعددة، فهناك مهمة اجتماعية يؤديها الكاتب الذي يتخصص في الاجتماع، وهناك الكاتب الذي لا يشغل نفسه بغير التاريخ، وهناك الذي يجعل ديدنه النقد الأدبي.. وهناك غير هؤلاء، فعلى الكاتب إذن القسط الأوفر من مهمة الأديب ولا جدال، ولكن.. ولكن ألست ترى أنه في الإمكان أن نصف بكلمة وبكلمة واحدة فقط مهمة الكاتب أو بعبارة أخرى مهمات الكاتبين بأنواعهم.. ألست ترى أن كلمة (نقد) هي أصدق ما يصح أن تصف به هذه المهمة، أو هذه المهمات؟
الكاتب الاجتماعي، والكاتب المؤرخ، وكاتب البحث الأدبي، كل هؤلاء ناقدون ووظيفتهم جميعا هي النقد.. النقد باعتبار معناه الحقيقي لا السطحي.. النقد الذي هو دراسة الكتب ودراسة الحياة، النقد الذي هو الغربلة والتمحيص والفهم ووصف الأشياء على حقائقها وتمييز الغث منها والسمين، وإظهار كل ذلك للناس في أسلوب جميل وتعبير صادق، حبا في الإفادة والتفهيم وإنارة الأذهان وتغذية العقول بكل ما هو طريف ومفيد! لقد عرفنا أن مهمة الكاتب هي نقد الحياة، وليس هناك شك في أنها مهمة عسيرة وشاقة كما قلنا.. بل هي من أصعب المهمات الأدبية، وأوشك أن أقول إنها من أصعب مهمات الحياة. وأخيراً نرجو أن نكون قد استطعنا في هذه الإلمامة السريعة الإدلاء بما يقرب من الصواب حول هذا الموضوع، ولعلنا في هذه الفترة – وقد بدأنا نشعر فيها بمبادئ حركة أدبية حية في بلادنا – لعلنا نرى ثمار هذه الحركة قريبا إن شاء الله، كي نصل إلى ما وصل إليه غيرنا من نهوض وتقدم، وما ذلك على الله بعزيز!
*1939