هل يستطيع أي كاتب أن (يشتم) مسؤولاً ما على صفحات الصحف دون أن يتعرض للمساءلة؟ الجواب بكل تأكيد لا، حيث يمنع نظام المطبوعات التجريح الشخصي. وفي هذه الحالة لا يعد النظام جائراً.. ولا يمكن اتهامه بتكميم الأفواه والتعدي على حرية التعبير، فجميع الدول التي تحمي وتضمن حرية ممارسة الاعتراض والاحتجاج، تضع حدوداً واضحة بين الانتقاد الموضوعي وبين الشتم والتجريح الشخصي، حيث تضع الشتامين والداعين للكراهية تحت المساءلة القانونية، لذلك فإن السؤال الذي يطرحه المعتدلون والمستنيرون من جميع الأطياف في مجتمعنا هو: لماذا يمارس الشتم والتكفير والتحريض على الكراهية في مواقع الإنترنت والمجموعات البريدية بعيداً عن المساءلة القانونية؟
أمامي مثال لتعرض الشيخ عادل الكلباني والدكتورة نورة الفائز نائبة وزير التربية والتعليم.. وزميلتنا في صحيفة الوطن الأستاذة حصة آل الشيخ في الآونة الأخيرة للشتم والتجريح الشخصي في الإنترنت. فعلى سبيل المثال تمنى أحد المنتقدين قطع لسان الشيخ الكلباني وإرساله لسوق الخضار! في دلالة تشير إلى أننا نعيش حالة احتقان وأزمة حوار ومن ثم اغتصاب لمبدأ حرية التعبير، تتمثل في توظيف طرف متشدد للمواقع الإلكترونية لإطلاق التهم ضد الآخرين بالفسوق والكفر ووصفهم بصفات غير حقيقية بهدف التحريض عليهم.
يتناول مطلقو هذه التهم كل شيء شخصي إلا الجانب الأساس وهو القضية المختلف عليها، لذا أصبح من السهولة أن تتعرف على لغة التحقير من أسلوب الشتم، فإذا كان الطرف الآخر رجلاً، فإن اللغة تدور حول تكفير الطرف الآخر واتهامه بالعلمانية وسوء النية والتربص بالدين، أما إذا كان الطرف الآخر امرأة، فإن أول ما يلتفت إليه الانتباه في اللغة المستخدمة هو النظرة الدونية للمرأة، إذ لا تُتهم بالتخطيط ضد الدين، فكأن التخطيط عمل ذكوري، لذلك يدور الشتم والسب حول وصف المرأة في الطرف الثاني بأنها غير جميلة وأنها من القواعد أو أن الزواج قد فاتها.
إن المطالبة بنظام لمساءلة الشتامين والتكفيريين ومؤججي الكراهية بين طبقات المجتمع في مواقع الإنترنت لا تتنافى مع حرية التعبير.. وبالتأكيد ليست هي دعوة لتكميم الأفواه، فقد بدأت الدول الأوروبية تمد أنظمتها الرقابية إليها.. وخصصت الولايات المتحدة إدارة خاصة بها. إنها دعوة ضرورية لوضع قوانين تكفل حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام.. وفي نفس الوقت لحماية الناس والمجتمع من استغلال هذه الحرية من قبل طرف ما للتجريح الشخصي والتحريض على كراهية طرف آخر.