"ليس الأمر كما ترى، إنها تستجيب كما أريد، أشعر بأنها تتفهم ضرباتي التي تطوّعها للشكل الذي أرغب"، هكذا يشرح "التنّاك" علي عبدالله القطري علاقته الدائمة مع المطرقة والسندان، أدواته التي يستعملها كل يوم، علي "التنّاك" الذي أخذ مهنته بالوراثة من والده، مستمتع بما يصنع، ومحترف في سوق لا يجد فيها الكثير من المتنافسين، لأنها سوق لا تغري الكثير، بعد أن غزت البضائع المستوردة كل مناحي الحياة، ومنها ما ينتجه التناك.
ما رأيك بهذا السندان؟ يقولها علي وهو يشير إلى السندان الصغير الذي وضعه جانبا: لقد ورثته من والدي الذي اقتناه قبل نصف قرن من الزمن، فيضحك ويقول: "تخيل، أنه أكبر مني سنا، وأشعر بعد هذه العقود بأنه أصبح مسنا هو الآخر، حتى إني صرت أرحمه من ضرباتي اليومية، فاشتريت سندانا آخر" ويصف العلاقة التي تربطه بهذه الأدوات فيقول: "أدواتي أتعامل معها بكل ود حتى وقت الضرب والعمل".
يحتل علي أحد أجنحة فعالية القرية التراثية في مهرجان صيف أرامكو السعودية، ويجد إقبالا طيبا من الزوار، حيث يبيع الكثير من المنتجات التي يصنعها في الحال، مثل ضرابة الفحم التي تجد الإقبال الأكبر من الزبائن، والبراميل التي تعد لحفظ الأطعمة والصناديق المسماة البروة المعدة لحفظ الصكوك، وغيرها من الصناديق التي تستخدم لإشعال الحطب، وأخرى تستخدم في علف الدواب وذلك في الزمن الماضي، ويستخدم التناك في عمله أيضا أدوات أخرى مثل البيب والمقص، ويتحدث علي لـ"الوطن" عن مهنته فيقول: "التناك مشتقة من التنك الذي يستخدم غالبا في منتجاتنا، ومنه جاءت التسمية"، ويعود به الحديث إلى بداياته في هذه المهنة فيقول: "مارستها بالوراثة، حيث وجدت أبي يعمل بها، فتتبعت خطاه وأصبحت أحبها أيضاً حتى احترفت العمل بها، والآن أصبحت أستقبل زبائني في المنزل لبيع منتجاتي، حيث خصصت جزءا منه لأعمالي"، ويقول "لا أعرف أحدا يمارس المهنة في المنطقة سوى شخص واحد اسمه محمد العسيف، فحقيقة هي غير مغرية لأسباب تتعلق بالجهد والتركيز ومحدودية المردود المادي لها".
أما عن تجربته في مهرجان صيف أرامكو الحالي فيجيب قائلا "المشاركة أضافت لي الكثير على الصعيد العملي، لأن الكثير من الزوار كانوا يطرحون الكثير من الأسئلة لجهلهم بالمهنة من الأساس، وكانوا يبادرون لشراء المنتجات فقط لإعجابهم بها، ولأنها صناعة يدوية تحدث أمامهم، كذلك المكان الموفر لنا مكيف ومعد بشكل تراثي أنيق ويسهل وصول الزوار إلينا، وسأكون مسرورا إذا وجدت دعوات مشابهة في مناسبات مقبلة".
بعدها ينهي "التنّاك" حديثه معنا ليعود إلى ممارسة عمله واضعا إحدى صفائح الألمنيوم على السندان، قبل أن تهوي مطرقته عليها، بانتظار إنتاج أداة جديدة يقدمها لزبائنه.