ولعله ليس هناك ما يمنع من التوسع، في فهم دلالة وظيفة الإعمار، المناطة بالإنسان، لتكون بلغة العصر، القيام بإحداث عملية التنمية، والتصنيع، وممارسة التمدن، وصنع الحضارة، بجانب القيام بالتكاليف الدينية. وبذلك تكون المسؤولية الحضارية، التي تقع على كاهل الإنسان في صنع التحضر، وإحداث التنمية، والارتقاء بالحال باستمرار، نحو الأفضل، جزءاً من مسؤولية التكليف العامة، المناطة به ابتداءً في الحياة الدنيا، على قاعدة (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، وهو ما يشير إلى أهمية صيانة الجوارح، وضرورة ترشيد عنصر الزمن، وأهمية العمل الصالح، الذي يتضمن بالإضافة إلى أداء الشعائر الدينية، القيام بواجب ممارسة المعايير، الدافعة إلى تحقيق تقدم البلاد، وضمان رفاهية الناس، تناغما مع توجيهات الهدي النبوي الكريم، في التنبيه على أهمية توظيف تلك المعايير، وزجها في عملية الأعمار، (لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه).
ومن هنا يتطلب الأمر أن يكون المسلم الحقيقي إنسانا مؤثرا في مجتمعه، وليس مجرد مستقبل لآراء الآخرين، ومستهلك لإبداعاتهم، وأسير أمجاد قديمة، قد لم يعد بعضها يتماشى بتقادمه وتهالكه مع معطيات حركة التطور المتسارعة، وهو ما يستلزم بالطبع توفر عزيمة قوية، وإرادة صلبة، وعدم تردد في إعادة النظر في كثير من المفاهيم، والأحكام الحياتية السائدة، التي تجمدت، بمرور الزمن، ونضب عطاؤها، وفقدت القدرة على مجاراة التطور.