تصدرت الأحاديث الساخرة التي استصحبت الربيع العربي في الفترة الماضية، وخصوصاً تلك التي ميزت أحداث الثورة المصرية مقولة "إن القمة العربية القادمة ستكون قمة تعارف"، بعد أن طال التغيير أنظمة بعض الدول العربية التي شكل رؤساؤها حضوراً دائماً في القمم العربية لعقود طويلة، في مقدمتهم الراحل معمر القذافي والمصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي واليمني علي عبدالله صالح، إذ إنه ولأول مرة يحضر القمة ممثلون جدد لتلك الدول، لذلك احتاجوا إلى وضع بند التعارف في مقدمة الأجندة المطروحة للنقاش في جدول أعمال القمة، ويبدو أن ذلك بالفعل ما شغل حضور القمة العربية من الرؤساء الجدد وممثليهم، فالبيان الختامي للقمة والذي سمي بـ"إعلان بغداد" لم يطرح موقفاً جديداً للعرب من الأزمات التي تعيشها المنطقة العربية، بل شهد تراجعاً في بعض المواقف مثل مطالبة البيان بوقف العنف في سورية "من أي مصدر كان"، ورفض التدخل الأجنبي، إذ سبق أن حدد العرب في اجتماعات وزراء الخارجية السابقة في القاهرة مصدر العنف، بأنه صادر من النظام السوري، وطالبت بصراحة ووضوح تنحي الأسد، بل طرحت مقترحات أبعد من ذلك بكثير مثل تسليح المعارضة السورية، وإرسال قوات عربية إلى سورية، ومحاولة دفع مجلس الأمن لاتخاذ قرار يوقف العنف في سورية، ثم يتراجع عن تلك المواقف ويدعو إلى وقف العنف ودعم تحرك كوفي عنان.
أن يتناسى العرب مواقفهم السابقة ويبدؤوا من الصفر في أزمة تجاوز عمرها العام وحصدت أحداثها آلاف الأرواح وشردت ملايين الأسر أمر محير مؤسف.
أشار إعلان بغداد إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، لكنه لم يتخذ موقفاً واضحاً ومباشراً من المشروع النووي الإيراني، كما لم يتخذ موقفاً من التدخل الإيراني في العراق وغيرها من الدول العربية، رغم خروج آلاف المتظاهرين في مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار العراقية قبل انعقاد القمة بيومين، مطالبين قادة القمة بالضغط على الحكومة العراقية لإعادة التوازن في مؤسسات الدولة واحترام استقلالية القضاء ووضع حد للتدخلات الإيرانية في البلاد، كما أن موقفها من القضية الفلسطينية لم يخرج عن إطار إدانة السلوك الإسرائيلي، كما هي العادة، دون طرح خارطة طريق واضحة لذلك تلزم بها إسرائيل والأسرة الدولية.
ربما الفائدة الوحيدة لهذه القمة هي محاولة إعادة العراق للحضن العربي بعد أن تجاوز غيابه عقوداً من الزمن، مما أتاح لإيران التمدد والتغلغل فيه، فانعقاد القمة في بغداد بعد عشرين عاماً من الغياب في حد ذاته يعد خطوة لإعادة العراق لموقعه في الأسرة العربية، وزيارة الرؤساء والوزراء العرب للعراق للمشاركة في فعاليات القمة فرصة للتعرف على العراق الجديد بعد غياب صدام حسين، وخروج الجيش الأميركي المحتل، لذلك كنت أتمنى أن تستمر فعاليات القمة لأيام حتى تتاح الفرصة للعرب المشاركين فيها لزيارة مقرات سفاراتهم السابقة في بغداد والبحث في إمكانية إعادة السفراء والممثليات الدبلوماسية إليها، دون ذلك لم يصدر عن القمة العربية جديد من المواقف إلا على مستوى الألفاظ في بعض القضايا، مثل إدانة "الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حق المدنيين السوريين"، وكذلك وصف البيان لمجزرة بابا عمرو بـ "مجزرة بابا عمرو والمقترفة من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ضد المدنيين جريمة ترقى إلى الجرائم الإنسانية وتتطلب مساءلة المسؤولين عن ارتكابها".
غياب بغداد عن العرب، والجفاء الذي حصل بين الطرفين، كان سبباً رئيسياً للتمدد الإيراني الذي أضر كثيراً بالعراقيين قبل العرب، والطبيعي أن العراق يحتاج إلى العرب ليعود لموقعه السابق، وهو ما نأمل أن تكون قمة بغداد بداية له، في الدورة الحالية التي ترأسها بغداد.