ظلت ومازالت صناديق الاقتراحات في الإدارات والقطاعات الحكومية ولعقود عديدة مكان سخرية وتندر عند المراجعين والمواطنين، وقد نالها من النقد والتهكم ما ضاقت به صفحات الصحف والمجالس والمسلسلات التلفزيونية.

وما كانت تلك الصناديق لتنال ذلك النقد الدائم لو أن الناس لمسوا ثمرة منها، فلا أذكر ولو لمرة واحدة أنني سمعت أو قرأت أو نقل لي عن الغير أن مسؤولا ما، أو أصغر موظف علاقات عامة في جهة ما، بادر واتصل على صاحب شكوى أو اقتراح - مر عبر تلك الصناديق - ليستفسر منه عن جزئية في شكواه أو يحقق مطلبه أو يعتذر عن خطأ بدر من إدارته أو لوم نالها، أو يدعوه لمكتبه ليحل له مشكلة اعترضته، أو ليشكره على فكرة كتبها عبر ذلك الصندوق المخضرم، حتى قيل إن تلك الصناديق لا مفاتيح لها، وإنه ـ أحيانا ـ عندما تفتح ترتسم علامات استفهام على وجوه متصفحي بعض الرسائل التي بها كونها موجهة لمسؤول تقاعد أو لقى وجه ربه، وإن لم تكن مثل هذه الروايات صحيحة فهي من المبالغة التي تصب في خانة السخرية التي ذكرتها نظرا لعدم فاعلية مثل هذه الصناديق التي حالها حال الكثير من المبادرات والأفكار التي نلتقطها من مجتمعات أخرى كانت صادقة في توجهها حيال سماع رأي مخالف أو نقد هادف أو فكرة لافتة، بينما لم تكن نيتنا عند اقتباس مثل تلك الأفكار الرائعة صادقة إذ كان همنا الشكل لا المضمون، فما عليه نحن من الكمال والتمام (زعما) جعلنا الأفضل والأجود والأسلم والأدق والأحرص ومن هذا المنطلق لم يكن ليؤمن هذا المدير أو ذاك بتلك الصناديق، بل يرى أنها تقليعة ليس لها داع بحكم أن لديه من الحكمة والرأي و(الدبرة) والقرار السليم ما لا يستدعي الاستئناس بآراء الغير أو سماع مطالبهم، بل الصحيح أن تعلق عبارة (تبارك الله) خلف مكاتب مثل هؤلاء المسؤولين خوفا من العين الحاسدة!

هذا الصنف من المسؤولين باختلاف مواقعهم ومسمياتهم دائما ما يستسخفون ويستصغرون أي وسيلة للتواصل مع الناس وأي خطوة أو مبادرة يمكن من خلالها معرفة توجهات الرأي العام ومواقفهم من الأشياء ذات العلاقة بهم وبحياتهم وبما يحيط بهم.

ومع الفتح العظيم الذي أحدثه عالم (النت) وبقية وسائل الاتصال الحديثة بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن تلك العقليات الإدارية غير المؤمنة بجدوى صناديق الاقتراحات لتغير من مواقفها تجاه الإعلام الجديد وما أحدثه من ثورة في التفاعل مع الرأي العام والتواصل معه.

ما أود الوصول إليه، أنه بمثل ما زينت يوما ما تلك الصناديق مداخل العديد من الإدارات والقطاعات نرى اليوم العديد من الجهات تتفاخر عبر أكثر من وسيلة بوجود مواقع إلكترونية لها على شبكة (النت) وأنه يمكن التواصل معها عبر هذه المواقع إلا أن هذه المواقع تشكو من تكدس (الوارد) فيها بمئات وآلاف الرسائل غير المقروءة، ومن خلو (الصادر) من أي رسالة!!