قبل سنوات ناقش مجلس الشورى موضوع تغيير العطلة الرسمية الأسبوعية من يومي (الخميس والجمعة) بتأخير يومٍ واحد فقط لتصبح (الجمعة والسبت)، وبرزت اعتراضات كبيرة على الفكرة، منها ما استند إلى أدلة من السنة النبوية، ومنها ما تذرع بخصوصية المجتمع السعودي وتعوده على الوضع الحالي، وبعيداً عن المزايدات والتذرع بحجة (الخصوصية) وأسطوانتها القديمة الحديثة وفي كل مناسبة، دعونا نقرأ وضع مفهوم أهمية المخالفة الدينية (لليهود والنصارى) فيما يخص الإجازات والعطل الرسمية الأسبوعية، وحجم تأثير الوضع الحالي على الاقتصاد السعودي بوجه خاص، من واقع الأخذ بتقديم القول بضرورة المخالفة التي وردت عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وهو قول صحيح من باب المخالفة فقط، ولكن ماذا في حال اقتضت الضرورة الأخذ بغيره إلى حينٍ على الأقل، لأن جزئية الإصرار على تطبيقه في كل الأحوال فيها تهميش وقطع لرؤية المصلحة العامة للدولة وأفراد المجتمع، وهو انشغال عن رؤية الجانب الأهم الذي أكد دائماً عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمتمثل في تقديم رأي المصلحة على رأي المخالفة. والشواهد كثيرة في سيرته (عليه الصلاة والسلام)، ولنا في الاتفاقيات التي أبرمها مع أعدائه المثال الأكبر، إذ طالما عقد اتفاقياته وفق نظرته (صلى الله عليه وسلم) لما يحقق مصلحة المسلمين، وتحركه مع ما يتناسب مع وضعهم وحالتهم أولاً وأخيراً، ولم يعاند ظروفهم أو يكابر على وضعهم. ولنا في معاهدة صلح الحديبية مع مشركي قريش أواخر العام السادس الهجري، ومعاهداته مع قبائل الأعراب (بني ضمرة، ومدلج، وقبائل جهينة) في نهاية العام الثاني من الهجرة، ومعاهداته مع اليهود بالمدينة (بني النضير، وقينقاع، وقريظة)، إلى أن تحولت معها معادلة حالة ضعف المسلمين إلى القوة، دليل قاطع على رجاحة الفكر النبوي الشريف، وفهمه العميق للموقف، وبيان حقيقي للدروس التي قدمها للمسلمين في حياته (صلى الله عليه وسلم)، كنموذج باذخ للوعي، ليتأملوا فيما صنع، وكيف تصرف، وليقتدوا بأفعاله في قادم أيامهم.
إن الإصرار على تجاهل التحولات الاقتصادية العالمية حالياً والتغير الكبير في موازين القوى الاقتصادية في الوقت الراهن، التي تميل بوضوح لصالح القوى الأخرى، ما هو إلا قراءة غير مناسبة وغير محسوبة العواقب، نتيجتها تأخير لعجلة التنمية التي ينشدها الجميع لهذا البلد وكل بلاد المسلمين، وحين نتجاهل تصرفات وأفعال الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ونقدم (القول على الفعل) في التوقيت غير المناسب على الإطلاق، الذي تقتضي فيه المصلحة العامة للمسلمين الأخذ بالأفضل والأصوب وليس غير ذلك، وإذا كان الهدف من ذلك فقط هو مخالفة (اليهود والنصارى) الذين يعتمدون (السبت والأحد) يومين لإجازتهم الأسبوعية، فإن أمر المخالفة يتحقق لنا أيضاً باعتماد (الجمعة والسبت) يومين لإجازتنا الأسبوعية، وهذا ليس رأياً فقهياً بقدر ما هو قراءة معقولة لمقتضيات تحتمها الأوجه الجديدة لصورة العالم وحقيقة الاحتياج، فالموقف الحالي يجعلنا متأخرين عن إستراتيجية العالم الاقتصادية الجديدة بناقص (أربعة أيام)، مما يعني أن الاقتصاد السعودي وتجارته لا يوجدان في مشهد جوقة المنظومة العالمية الاقتصادية إلا في أيام ثلاثة هي (الاثنين والثلاثاء والأربعاء) فقط من مجموع سبعة أيام، ويكون خارجها أيام (الخميس والجمعة والسبت والأحد).
يا ترى ماذا لو تواجد الاقتصاد السعودي في أربعة أيام بإضافة (يوم الخميس) إلى مفكرة أعماله؟ دعونا نأخذ الصادرات غير البترولية أولاً، حيث أعلنت إحصائية موقع الإحصاء السعودي في تقريره ما يلي: "بلغت قيمة الصادرات خلال شهر ديسمبر عام 2011م (15549) مليون ريال". دعونا مجدداً نأخذ قيمة الصادرات السعودية خلال شهر ديسمبر 2011م مثلاً، والتي تبلغ (15549) مليون ريال، واقسموها على (12) يوما – وهو عدد أيام توافق حضور السعودية الاقتصادي عالمياً، وسيكون الناتج (1295.75) مليون ريال لليوم الواحد، ثم اضربوا هذا الناتج في (4).. اليوم الإضافي المتوقع، وسيكون الناتج (5183)، ثم أضيفوا هذا الرقم إلى القيمة الأساسية (15549+5183)، وستجدون النتيجة النهائية (207332) وسنحصل على زيادة قدرها (25%) في الشهر تقريباً، وطبقوا نفس الحسبة على الواردات التي قال نفس المصدر عنها: "بلغت قيمة واردات المملكة خلال شهر ديسمبر عام 2011م (36631) مليون ريال"، ولاحظوا أن السلع المعدنية تتصدر بنسبة (86%) وسلع المنتجات الكيميائية واللدائن بنسبة (9%)، وهي أهم السلع التي تصدرها المملكة العربية السعودية، وتعتمدها كواردات دول العالم المُنتج لمعظم السلع التي نستهلكها نحن فيما بعد، إذن بإضافة يوم (الخميس) لا أكثر، سيتشكل فرق جيد يعكس معادلة الغياب بشكل معقول. ودعونا نحسبها مرة أخرى على مستوى الشهر والسنة ـ عدد أيام حضور الاقتصاد السعودي عالمياً (12) يوما في الشهر، وفي السنة (144) فقط، ولكن بعد إضافة (الخميس) كيوم عمل بديل سيكون عدد أيام الحضور (16) يوماً في الشهر و (192) يوماً في السنة، أي بزيادة (48) يوماً، يمكن من خلالها تحقيق الكثير من التغيير وجني الأرباح. وهنا تكون المعادلة قد انعكست لصالح الاقتصاد السعودي الذي سيصب في نهايته لمصلحة الوطن والمواطن السعودي دون شك، وهو المستفيد الأول من تغيير أيام الإجازة إلى (الجمعة والسبت) بدلاً عن (الخميس والجمعة). الاحتياج إلى ذلك التغيير بات أمراً ملحاً وذا أهمية صريحة، والأرقام لا تكذب أبداً، وتبقى الحكمة ضالة المؤمن.