من يظن أن المجتمع ما يزال غائبا عن حضور المؤسسات الثقافية وجدوى أثرها فهو واهم. ومن يحسب أن الأنشطة التي تقيمها تلكم المؤسسات لا تخضع للتقييم والمناقشة والتمحيص فهو كذلك مخطئ. ومن يشك في أن شريحة الشباب الذين نراهم في الشوارع والأسواق لا يراقبون سيناريو المشهد فهو ظان محدود الرؤية.
المعلومة اليوم ملك للجميع ولا يمكن حجبها أو مواربتها عن الأنظار، كما لا يمكن منع الناس أيا كان مستواهم المعرفي أو التحليلي من مناقشتها والحوار حولها. يسألني صديق بالأمس: ماذا ستفعل الأندية الأدبية بعد أن اختارت مجالسها؟ هل ستكرر ما قدمته منذ عقود من أمسيات للشعر والقصة؟ أجبته – وقد لمست تهكمه – نعم ستفعل هذا وأكثر من هذا، فالشعر والسرد ركنان رئيسان في سماء الإبداع ليس للأندية أن تهمل رعايتهما وإلا تحولت إلى مؤسسات أخرى سوى أن تكون معنية بالأدب وروافده، فما العيب في أن تقيم الأندية أمسيات عديدة للشعر والسرد؟!
غير أن هذا – وما أزال أجيبه – لا يعني عدم التجديد والاشتغال بالمعطى الثقافي من عدة أوجه يمكنني إيجاز بعضها لك إن شئت، وما إن استوى صاحبي مترقبا حتى بادرته: أنت نفسك يمكن أن تكون باعثا على التجديد، ادلف إلى نادي منطقتك الأدبي، قدّم مقترحاتك ورؤاك، أخضعها للفعل بدلا عن الحديث المتطاير هنا وهناك وسترى أنها ستحظى بالعناية ما دامت هادفة وقابلة للتنفيذ، أما ما أقترحه من تجديد فيتمثل – يا صديقي – في تفعيل أكثر للمنتديات واللجان داخل أروقة النادي، كلجان السرد والشعر والنقد والمطبوعات عبر خطة إستراتيجية واضحة يتم تقويمها من خلال مؤشرات أداء لما أنجز. كما أن استقطاب الكفاءات الشابة من دور العلم كالمدارس والجامعات، وإدراجهم في دورات مهارية معنية بالقدرات الإبداعية سيكون فيه النفع الكثير لشباب المنطقة التي يقود النادي الأدبي ثقافتها، ناهيك عن تبني المبرزين منهم وبعثهم إلى ملتقيات ومؤتمرات في الشأن نفسه صقلا لمواهبهم وعملا على زيادة مكتسباتهم المعرفية والإنسانية، فالثقافة أخيرا معطى إنساني به نحيا ونحقق وجودنا.
وقلت له: تابع ما يدونه الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي تجد جلّه رفيعا وينبئ عن قدرات وكدّ ذهني مؤسس على ثقافة، وقد يكون منهم أخي أو أخوك اللذان لا نعرف عنهما إلا أنهما أخوانا في الدم والقرابة فحسب، فمن التجديد منح الفرص الكبيرة لهؤلاء وأمثالهم عبر ندوات حوار وملتقيات تخص إبداعهم كما فعلت – قبلا- بعض الأندية، وليس غريبا إن احتفينا بتوقيع بواكير أعمالهم في معرض الرياض للكتاب.
لقد آن الأوان لتدفن المؤسسات الثقافية، أندية أدبية كانت أم جمعيات للثقافة والفنون بيروقراطيتها، وتشتغل على الفضاء الأرحب المفجر لطاقات الشباب والمحفز لوجود مبدعين جدد نحتفل بهم كل عام.