صناعة المحتوى مصطلح مهم وعميق، كل الرجاء أن لا يقع الشباب والشابات أصحاب الاهتمام بصناعة الفكر والوعي والجَمال بفخ الإفراط في استخدامه، دون الالتفات والاهتمام الحقيقي بإنتاج ما يستحق هذا الوصف الأنيق، مع عظيم الأمل أن يعملوا بدأب في طريق استحقاقهم له، ويتعلموا من أخطائهم وتجاربهم دون يأس، وهذا في غاية السهولة لمن تسلّحوا بالإرادة والمعرفة والذوق في مجال الإبداع الإنساني على تعدد مجالاته، وفي ذات السياق لا يخلو من تحمّل المسؤولية باقتدار على إيصال رسالة سامية، ترفع من مستوى الوعي والتذوق الجمالي لدى المتلقي، ذلك أن المتلقي يُعد الناقد البصير والذكي أمام ما تنتجه عجلة الإبداع الشبابي، والإصغاء إلى رأيه يمدّ صانع المحتوى بفوائد لا تحصى.
لو ناقشنا بواقعية اجتماعية صيرورة مصطلح صناعة المحتوى، لألفينا له تاريخا قديما يلازم حياة الإنسان منذ تشكّلت المجتمعات البشرية، فالناس لا يستغنون عن التواصل فيما بينهم، سواء كانوا أفرادا أو مجتمعات، وهذا التواصل يقتضي وجود محتوى يتم تبادله والحوار بشأنه، أما مضمون المحتوى فيعود بطبيعة الحال إلى الأذواق والاختيارات، وهي تتجدد باستمرار مع المرور إلى الأمام عبر السنوات، كما تختلف باختلاف المستوى التعليمي والثقافي للأشخاص، وقد يعتقد أبناء مجتمع ما أن ثمة موضوعا جدير بالحديث والبحث، في حين يرى الأشخاص في مجتمع آخر أن نفس الموضوع ضمن قائمة المحظورات لأسباب فكرية تخص أبناء هذا المجتمع، ومع اختلاف الظروف تختلف أحقية المواضيع بالنقاش.
نتعامل مع صناعة المحتوى بشكل يومي، ويمكن تقييم شخصية ما من خلال محتواها، ولهذا شاع بين الناس قولهم: فلان ما عنده سالفة، وكلمة (سالفة) بالمحكيّة السعودية معناها حديث، والمعنى العام لهذا القول أن فلانا لا يوجد لديه حديث جيد يقوله للغير، أو ليس جديرا بالحديث عنه، لأنه لم يفعل ما يستحق أن يُذكر لأجله، وعلى صعيد التعامل الاجتماعي مع صناعة المحتوى يحرص صاحب الدعوة إلى مناسبة اجتماعية على دعوة شخصيات محترمة، تدير أطراف الحديث في المجلس باقتدار، وتثري الجلسة بمحتوى له قيمة، وتستوعب تنوع واختلاف الآراء والأفكار من المتحدثين، ولا يفوت الداعي أن يستضيف ذوي الظرافة وخفة الروح، فلديهم محتوى قيّم ورسائل جميلة.
يعتز المسلم بانتمائه لدين الإسلام، الذي يتضمن أجمل محتوى ومنهج متكامل للحياة، كما يدعو الدين الحنيف أبناءه وبناته إلى صناعة المحتوى الجميل النافع كأسلوب حياة، قال الله تعالى ﴿وقولوا للناسِ حُسْنا﴾، وقال سبحانه ﴿ولا تبغِ الفسادَ في الأرض﴾، وفي الهدي النبوي أحاديث ومواقف لا حصر لها، تحث جميعها على صناعة المحتوى في أسمى معانيه، يقول سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخِر فلْيَقُلْ خيرًا أو ليصْمُت». واتباع هذه التعاليم الربانية من شأنها أن تصنع محتوى شخصية المسلم وتشكّلها بمظهر الرقيّ والاحترام، ليعكس بدوره صورة هذا الدين العظيم في أخلاقه وتعامله أينما سارت به الأقدام.
يا رفيق الحرف، ما مدى رضاك عن محتوى أخلاقك وأفكارك؟ هل تمتد علاقاتك في الاتجاه الصحيح؟ ماذا تفعل بشأن مراجعة أقوالك وأفعالك ومحاسبة ذاتك؟ هل تنهَى نفسَك عن هواها؟ أم أنت ممن لا يبالي أي دربٍ سَلك؟ إن حرصك على ما يضيف إلى شخصيتك قيمة وبهاء سيجعل منك مشعلا مضيئا ونجما يُهتدى به، وستصنع محتواك بالحكمة فيما تختار، والصدق والشجاعة والإنصاف فيما تقول وتفعل، وفي صفحات الكتب نفائس المعرفة ذات المحتوى الإثرائي لعقلك، ولا ترتبط صناعة المحتوى بجيل الشباب المتعلم والقارئ، بل يمتلك كبار السن من محتوى الحياة وتجاربها ودروسها ما يستحق مجالستهم والاستماع إليهم، ليتم نقل هذا المحتوى النفيس ويحفظه الأبناء.