وقد أعلن الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصيلة ما حوته تلك الوثائق في مؤتمر صحفي، ونقلها إلى البيت الأبيض، وبعدها بفترة وجيزة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحابه من الاتفاق النووي، وقد منح الفريق الاستخباراتي الذي نفّذ تلك المهمة جائزة أمن إسرائيل 2019.
تناول تحليل الأرشيف النووي عددا من المراكز البحثية، قد يكون من أبرزها معهد العلوم والأمن الدولي، ومركز بيلفر للعلوم والشؤون الدوليّة بكلية كينيدي للعلوم الحكومية في جامعة هارفارد، والذي تلقى دعوة رسمية من إسرائيل لزيارتها والاطلاع على الأرشيف، وانقسم المحللون بين مشكك ومهوّل في أهميتها.
لا يرى الخبراء في مركز بيلفر أن المعلومات في الأرشيف ستقود إلى اتخاذ أي إجراءات معينة، ولكنها قد تثير تساؤلات لدى صناع القرار، وأن معظم ما جاء في الأرشيف معلوم مسبقا، ولكن هناك بعض النقاط الجديدة، أبرزها حتى الآن هو:
1 - القرار الإستراتيجي بإنتاج 5 قنابل نووية بقوة تدميرية تصل إلى «10 كيلوطن» من الـ«تي إن تي»، لكل واحد منها «القوة التدميرية لقنبلة هيروشيما كانت 15 كيلوطن».
2 - التقدم التقني في برنامج إيران النووي أبعد مما كان متصورا ومعلنا.
3 - بناء منشأة تحت الأرض لسبك اليورانيوم «هذه العملية تأتي بعد التخصيب وفيها يتم تركيب اليورانيوم عالي التخصيب
في القنبلة» وتصنيع السلاح النووي، واختباره.
4 - توافر المساعدة الخارجية والحصول على تصاميم للقنبلة من عدة مصادر خارج إيران.
أما معهد العلوم والأمن الدولي -وهو على ما يبدو ذو تأثير كبير على صناع القرار في الولايات المتحدة وغيرها- فقد أصدر عدة تقارير تقنية تفصيلية عما وجدوه في الأرشيف، وفيها أن إيران تلاعبت وكذبت على المجتمع الدولي، ولم تفصح عن بعض المعدات والأنشطة النووية السابقة، وهذا من أهم الأسباب التي تستوجب خرق الاتفاق.
ويبقى السؤال عن ما إذا كانت المعلومات في الأرشيف تعد خرقا للاتفاق النووي أم لا؟
ما يتم تداوله في وسائل الإعلام من أحكام لا يمكن أن يعتّد بها، ولا يمكن الحكم على التزام الأطراف بالاتفاق خلالها، وكلمة الفصل هنا للجنة المشتركة في الاتفاق النووي بناءً على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الأرشيف، والتي ما زالت تدرس الوثائق بعد استلامها من إسرائيل، ووفق آلية معينة.
وكي تتضح الصورة، يجب أن نعلم أن أهم بنود الاتفاق النووي هي: نسبة تخصيب اليورانيوم وكميته، وإيقاف استخلاص البلوتونيوم من مفاعل أراك، ومراقبة مشددة على المنشآت النووية، والإفصاح عن الأنشطة النووية السابقة، وفيه لا يحق لإيران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة أعلى من 3.67%، ولا الاحتفاظ بأكثر من 300 كجم منه، كما يجب عليها إعادة تصميم مفاعل أراك لمنع استخلاص البلوتونيوم، وتسهيل عمل المفتشين للرقابة على البرنامج النووي، وبيان أنشطتها النووية السابقة، وبالتالي قطع أي مسار عسكري للبرنامج النووي الإيراني.
الجهة المعنية بالتحقق من هذه البنود على أرض الواقع، هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقوم الوكالة بنشر تقارير دورية للتحقق من التزام إيران ببنود الاتفاق، وتنشرها على موقعها الإلكتروني بأكثر من لغة.
آخر هذه التقارير كان في الثامن من الشهر الميلادي الجاري، وأبرز ما جاء فيه هو تجاوز إيران نسبة التخصيب المتفق عليها وهي 3.67 %، إذ وجدت الوكالة أن نسبة التخصيب في منشأة نطنز وصلت إلى 4.75%، ترى الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية أن هذه الزيادة في نسبة التخصيب ليست خطيرة، ويمكن الرجوع فيها، وعلى أي حال، لا يوجد في التقرير كلمة «خرق» للمعاهدة، لأن هذا ليس من عمل الوكالة فيما يخص الاتفاقية، ولكن بناء على هذه التقارير، تحدد الدول المتفقة مع إيران ما إذا تم خرق الاتفاق النووي أم لا، وقد يستغرق فض أي نزاع وفق الاتفاقية 65 يوما، إذ ينص الاتفاق على أنه في حال نشوب خلاف بشأن التزام الأطراف بالاتفاق، يحال الأمر إلى لجنة مشتركة، وتمهل هذه اللجنة 15 يوما لحلها، فإن تعذر ذلك، تحال المشكلة إلى وزراء الخارجية، ويمهلون 15 يوما أخرى للنظر في الأمر، يمكن للطرف المتهم بعدم الالتزام -بالتزامن مع هذه المدة- أن يطلب لجنة استشارية ثلاثية للبحث في المشكلة. يُشكّل أعضاؤها من أطراف النزاع، ويكون العضو الثالث مستقلا، رأي هذه اللجنة غير ملزم ويجب تقديمه في غضون 15 يوما.
إذا لم تتم تسوية النزاع خلال 30 يوما، تُمهل اللجنة المشتركة 5 أيام للنظر في رأي اللجنة الاستشارية، في حال استمرار النزاع، يمكن بعد ذلك للطرف صاحب الشكوى رفع الأمر إلى مجلس الأمن، الذي يتعين عليه خلال 30 يوما أن يصوّت على مشروع قرار بشأن استمرار رفع العقوبات، وإذا انقضت المدة دون إصدار أي قرار، يعاد فرض العقوبات على إيران. ولكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية، فلا تسري عليها هذه الآلية، في حال رأت أن إيران خرقت الاتفاق.
عموما، ما تم الاستيلاء عليه لا يمثل سوى 20 % من الأرشيف النووي، ويغطي في معظمه الفترة بين 1999و2003، وبالتالي قد لا تكون المعلومات المتوافرة في هذا الأرشيف كافية لإعطاء صورة كاملة عن البرنامج النووي.
الإسرائيليون يقولون، إن هناك مستودعا آخر -وهو ما أنكره الإيرانيون- مخزن فيه معدات ومواد نووية. ولقد زاره مفتشو الوكالة ولم يعثروا فيه على شيء.
بالَغ معهد العلوم والأمن الدولي في شأن الأرشيف، وقلّل منه مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدوليّة، وبين هذا وذاك، نبقى في انتظار تقرير الوكالة في هذا الشأن.