لم يكن اتصال الصديق الفنان التشكيلي عبدالله شاهر للحديث معي حول مقال الأسبوع الماضي بالنسبة لي مجرد اتصال، بل شعرت من خلاله أن هناك من يتألمون وتحترق قلوبهم لما يمر به "التشكيل" العربي عامة من حالة تخبط وضياع، تتداخل مع تشويه وعبث نتيجة استسهال البعض عددا من الأساليب الحديثة التي لا ترتبط في جوهرها بالفن التشكيلي المتعارف عليه، ولا تتجاوز كونها تقليدا لصرعات غربية يحاول أصحابها اللجوء للغرائبية والخروج عن المألوف في أعمال أقل ما يقال عنها إنها ليست فنا بقدر ما هي تجميع أشياء وتلصيقها ببعضها أو تكويمها فوق بعضها أو صفها إلى جوار بعضها واعتبارها أعمالا تشكيلية إبداعية.
وأكدت رسالة إلكترونية وصلتني من الصحفي والتشكيلي محمد المنيف ما دار بيني وبين عبدالله شاهر في الحديث الهاتفي حول الفكرة السابقة، ما يعني أن هناك هما جماعيا بخصوص ما يحدث من خلل قد ينحدر بالذائقة الجمالية للمتلقين إلى مستوى لا يعود فيه الجيل الجديد يتقبل الأعمال الإبداعية التي ترتكز على أصول وقواعد المدارس التشكيلية المعروفة، وتعتاد ذائقته على "علب" مربوطة بخيوط، أو كومة براميل دهان، أو كتلة من ملاعق الطعام مربوطة بأسلاك معدنية.... وما إلى ذلك من أشكال تمثل في حقيقتها هروبا من القدرة على إبداع اللوحات أو المنحوتات. بل إن هناك من يعرض "خربطات" لونية ويعدها لوحات.
الخلل الذي تراكم يحتاج جهودا كبيرة لإعادة الأمور إلى مسارها السليم، بما في ذلك إعادة تكوين الذائقة الجمالية ليأخذ الفن الحقيقي مكانه من جديد في الصدارة بدل العبث الذي يحدث. ومن أجل ذلك لا بد من التنقية والغربلة، والأمر هنا لا يبدأ بالمدارس الابتدائية، ولا ينتهي بوسائل إعلام وصالات عرض يفترض بها نبذ كل ما هو غير منسجم مع الذائقة البشرية.
كذلك، يفترض بالنخب التشكيلية الجادة العودة إلى الساحة بقوة، وتكثيف حضورها والتنسيق مع الجهات التشكيلية والجهات التربوية لإقامة معارض جماهيرية في كل مكان، واستضافة طلاب المدارس لرؤية المعارض ومحاورة الفنانين حول لوحاتهم، أيا كانت المدرسة الفنية التي تنتمي إليها، فتلك المدارس من كلاسيكية وواقعية وتجريدية وسريالية وغيرها يمكن شرحها وتبسيطها للطلاب. أما مجموعة من "التنكات" فلا أعتقد أن أحدا يستطيع إفهام الناس مواطن الجمال والإبداع فيها.
أخيرا، يبقى الفن في أصله مهارة وإتقانا، وهو شعور بشري تتفاوت القدرة التعبيرية فيه بين شخص وآخر، ومن يعبر عن أحاسيسه بجمالية أكثر فهو من يستمر وتتقبله الذائقة البشرية، وكل ما عدا ذلك ينتهي في لحظته.