كلما تأملت في الطائفية أو القبلية أتذكر الأثر الذي وإن كان ضعيفا في صحة سنده، غير أنه بالغ الدلالة في متنه وأعني به: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها". والكلمات التي تقال وتطلق ضد هذه الطائفة أو تلك القبيلة ربما أججت الخلافات والحروب. وكم أسفتُ وأنا أرى هذه القنوات التي تؤجج النعرات وقد تكاثرتْ، حيث تسبّ القبيلة هذه تلك القبيلة، ولا تسأل عن القنوات الطائفية التي توغر الصدور وتشرخ نسيج المجتمع، وتلغي تعايشه ووحدته. حرية الإعلام لا تعني تجاوز المسؤولية للحرية، فالتنابز بالألقاب وانتقاص أشكال الناس واختراق خصوصياتهم والاستهتار بشتم شرائح واسعة من المجتمع فيه خطورة كبيرة للغاية.

قبل أيام، أطلّت علينا إحدى القنوات بكلمات ضد منطقة عزيزة على القلوب ككل مناطق المملكة، وهذا خطأ فاضح. المجتمع دائما يقوم على الوحدة في إطار التنوع. وأي محاربة للتنوع من خلال وضع شخصية مركزية يلغي القيمة المجتمعية التي تحتاج إلى اللحمة والترابط والاحترام المتبادل. من المرفوض تماما أن نستمع إلى تنابز بالألقاب تحت دعاوى التميز. مشكلة التضخم النرجسي في الانتماء لهذه المنطقة أو الطائفة أو القبيلة أنها تضع الإنسان في وهم التميز فيعامل نفسه كمركز ويعد الآخرين حواشي لا قيمة لها. ثم يبدأ بالسخرية والشتم والانتقاص.

هناك فرق بين الانتماء الطبيعي وبين الانتماء القائم على دعاوى التمييز والانتقاص من خلق الله. يذكر الباحث الدكتور: نعيمان عثمان في كتابه "القبلية بين عجز المثقف ومراوغة الأكاديمي" أن النزوع إلى القبيلة نشط بعد حرب الخليج، وهذا دليل على أن الأزمات توزع الانتماءات. كلنا رأينا أشجار النسب وهي تحيط بالمجالس وأماكن الضيافة، والانتماء القبلي إذا زاد عن حده انقلب إلى معول هدم للمجتمع ونسيجه المترابط. والمسؤولية على المثقفين والمفكرين وعلى رموز القبائل والطوائف وأعيان المناطق ألا يتركوا الانشطار يشمل المجتمع فيدمرون وحدته التي يحفظها "إطار التنوع".

قال أبو عبدالله غفر الله له: ليكن الإعلام للمتعة والفرجة، للمعلومة والفيلم الوثائقي، للمباراة والفيلم، أما أن يوضع للنبز وتكرير العصبيات فهذه مشكلة حقيقية. ربما أننا نخطو كالأطفال في السير نحو المسؤولية عن الحرية التي نمتلكها، وهي مسؤولية نابعة من أخلاقنا أولا قبل أن تكون نابعة من الخوف المجرد من العقوبة، ليتنا نستطيع ممارسة الحرية بأخلاق ومسؤولية.