سؤال قد يبدو سهل الإجابة، لكنه صعبها.
فالوطنية في مفهومها الصحيح: أن تظل أمينا على مبادئ دينك، وفيا لها، مساهما في بناء وطنك وإعلاء شأنه، باذلا الخير لكل مواطنيك بما تستطيعه من جهد وطاقة، محاربا ومقاوما للرذيلة والانحراف والالتواء، مبتدئا في ذلك بنفسك وأسرتك، منكرا ذاتك ومتناسيا أهدافك الشخصية ومطامعك الفردية، فالأنانية معول هادم ومخرب، كثيرا ما تفقد الأمم نماذج من أبنائها ربما كان لهم بدونها أثر بارز في بنائها وحضارتها، عاملا بدأب وإخلاص لإشاعة الثقة والفضيلة، وبذلك النصح الواعي لكل مسلم حاكما أو محكوما.. هذا هو المفهوم الصادق للوطنية، وليس هو التشدق بها أو ادعاءها مع تخلف العمل بمدلولها، فالوطنية الزائفة يتظاهر صاحبها بالغيرة والحرص، ويلوم غيره ليسدل بتظاهره ولومه الحجب الكثيفة على ماضيه أو واقعه، وكثيرا ما يكون هذا النوع المزيف من الناس ضعيف الذاكرة حتى للقريب من الأزمنة والحوادث، يغالط بتظاهره نفسه، ويخدع بادعائه ضميره، وكأنه ينسى أن للحوادث لسانا ناطقا تسمعه آذان البناة المغمورين وتعيه قلوبهم، وأن للحقائق دويا طاحنا دونه كل ضجيج التافهين وأوهامهم، وأن خداعه لا يتجاوز نفسه الحقيرة وتظاهره لا يعدو واقعه المنحرف، وسجل الشرفاء يتوج قوائمه المضيئة دائما بأسماء المخلصين لمعتقداتهم ومبادئهم وأهدافهم، والمترفعين في كبرياء محمود عن ذل المساومة وهوان الخيانة.
ومسكينة هي الوطنية كم تعلق بها أعداؤها وانتحلها لصوصها وتظاهر بها خصومها ليستروا ماضيا مشينا أو واقعا مخزيا، أو ليعبروا عن لهفتهم على وضع تخلى عنهم بعد أن وصمهم بالخيانة والخزي.
ومن الحقائق دائما تبتدئ نقطة الصفر، ومهما حاول الناس حجب الحقيقة أو خداع الناس عنها فستظل دائما واضحة ومضيئة لأنها.. هي الحقيقة.
* كتاب "دورنا في الحياة"
* 1961