في يوم الأربعاء الماضي (21 مارس) عُقد في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون بالرياض مؤتمر دولي لمناقشة الأوضاع الإنسانية المتردية في اليمن، وحضر الاجتماع نحو ثلاثين دولة ومنظمة إقليمية ودولية معنية بالشأن الإنساني، وهَدَفَ الاجتماعُ إلى إلقاء الضوء على المأساة الإنسانية التي أصبح اليمنُ مسرحَها، والتي بدأت تتضح معالمها بعد انقشاع الأزمة السياسية.
وربما توقعتَ أن أصدقاء اليمن سيهرعون إلى مد يد العون والمواساة لتقديم المساعدة الإنسانية المطلوبة، فهذه المساعدات لا ترتبط بموقف سياسي من الأزمة السياسية أو من هذا الفريق أو ذاك. ولكن المؤسف أن هذا لم يتم حتى الآن، كما يتضح من حقيقة أن خطة الأمم المتحدة التي وضعتها لمواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن لم تتم تغطية سوى نحو 16% منها، إذ تعهد عدد محدود من الدول بتقديم دعم مالي قيمته (70) مليون دولار من أصل (450) مليون دولار هي تكلفة الخطة.
والواقع أن مجرد الحاجة إلى عقد هذا الاجتماع، هو مؤشر على انحسار اهتمام المجتمع الدولي، بعد حل الأزمة السياسية، بالمعاناة التي يواجهها اليمن على المستوى الإنساني.
ومنذ بداية الأزمة التي دخل فيها اليمن نتيجة رفض الرئيس السابق علي عبدالله صالح التخلي عن السلطة أمام الاحتجاجات الشعبية التي عمّت اليمن، لم يتردّد أصدقاء اليمن في تقديم النصح عما يجب فعله. أما رجال السياسة في اليمن، خاصة أنصار النظام السابق، فربما هم في شغل شاغل عن الوضع الإنساني بتثبيت مواقعهم في النظام الانتقالي الجديد.
وحسب ما توصلت إليه الأمم المتحدة في تقاريرها التي عرضتها في اجتماع يوم الأربعاء، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهها اليمن في الشأن الإنساني هو استمرار هشاشة الوضع الأمني. وهو وضع يرتبط بدوره بموضوعين رئيسيين: عدم التمكن من التخلص من خطر القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى، والثاني سيطرة القبائل على بعض المناطق اليمنية بحيث لا تستطيع القوات النظامية بسط سيطرتها على مناطق نفوذ تلك القبائل. ففي حين تقلص عدد نقاط التفتيش والتهديد الأمني في المدن الرئيسية، بما في ذلك مدينة صنعاء، فإن الأمن ما زال مهدداً خارجها ومازالت للمجموعات الإرهابية أو القبائل يد طولى في بعضها. ومن الواضح أن تخفيف المعاناة الإنسانية ليس أولوية لتلك المجموعات، وهي لا تتردد في منع المنظمات الإنسانية من الوصول إلى مواقع السكان المحتاجين للمساعدة.
وقد اعتمد اجتماع يوم الأربعاء على ما قدمته الحكومة اليمنية من معلومات من جهة، وعلى تقرير وخطة مفصلين قدمتهما الأمم المتحدة، وهذا التقرير يرسم صورة قاتمة عن معاناة الشعب اليمني، فضلاً عن معاناة اللاجئين إليه من القرن الأفريقي، والنازحين من مناطق الصراع داخل اليمن. ومن أهم ما ورد في التقرير:
- يعاني ما بين 8 إلى 10 ملايين يمني (33% إلى 40% من إجمالي عدد السكان) من نوع أو آخر من المعاناة الإنسانية. وأكثرهم معاناةً النساءُ والأطفال.
- يعاني نحو 750.000 طفل تحت سن الخامسة من عدم توفر الغذاء الكافي، وهو ضعف العـدد الذي كان موجوداً في بداية عام 2011.
- يواجه نحو 500.000 طفل دون الخامسة خطر الموت جوعاً، إذا لم يتم تقديم المساعدات العاجلة لهم.
- لم تعد مياه الشرب النظيفة متوفرة بشكل كاف في كثير من مناطق اليمن، مما أدّى إلى ارتفاع نسبة الأمراض التي تحملها المياه الملوثة.
- أدى عدم توفر اللقاحات والمراكز الطبية في بعض مناطق اليمن إلى زيادة في أمراض الأطفال بمقدار عشرين ضعفاً عما كانت عليه لدى بداية الأزمة العام الماضي.
- لم يعد الأطفال في بعض المناطق قادرين على العودة إلى مقاعد الدراسة نظراً إلى أن مدارسهم تعرضت لأضرار جسيمة خلال النزاع، أو أنه تم احتلالها من قبل مجموعات مسلحة، أو من قبل النازحين من مناطق أخرى من اليمن.
وقد سعى الاجتماع الذي عُقد يوم الأربعاء الماضي إلى تمكين الدول الراغبة من تقدم يد العون لليمن لمواجهة هذا التحدي الإنساني، وطُرحتْ فيه ثلاثة خيارات ممكنة:
1. المساهمة مالياً في الحساب المشترك الذي أسسته الأمم المتحدة لمواجهة الاحتياجات الإنسانية لليمن.
2. أن تتولى الدول الراغبة مشروعاً أو أكثر من المشاريع التي صممتها الأمم المتحدة لمواجهة احتياجات محددة.
3. أن تقوم الدول المانحة بتحويل جزء مما سبق لها أن خصصته لاحتياجات اليمن التنموية طويلة المدى إلى مشاريع إنسانية من ضمن المشاريع التي تضمنتها خطة الأمم المتحدة.
وهذه اختيارات سهلة ممكنة تستطيع أي دولة راغبة القيام بها، ولكن ذلك يجب أن يتم بسرعة بالغة. فالوضع الإنساني في اليمن يزداد سوءاً ولا يحتمل التأخير. ومع الأسف، يبدو أن بعض أصدقاء اليمن ما زالوا في منوال إسداء النصائح لليمن وإعطائه المحاضرات عما يجب أن يفعله وأسباب ما آلت إليه أوضاعه، ولم يستطيعوا التحوّل حتى الآن إلى منوال مد يد العون المالي والمادي للشعب اليمني.
ولكن هذه النصائح والدروس ليس لها مردود سريع على ملايين اليمنيين الذين يعانون يومياً من نقص الغذاء والدواء والماء، ويشاهدون أطفالهم وهم يعانون المرض بسبب نقص الأدوية، أو يقضون بين أيديهم بسبب تأخر العناية الطبية.
وفي نهاية المطاف، فإن هؤلاء الأطفال وأسرهم آخر من يُلام في نزاع لم يكن لهم ناقة فيه ولا جمل، بسبب رفض الرئيس السابق وأنصاره التخلي عن السلطة، وهو نزاع ربما يستمر بصور أخرى ولا يُتوقع له أن ينتهي قريباً.
ولعل اجتماع الرياض الأربعاء الماضي استطاع تغيير بعض المواقف ودفع الدول المانحة إلى مراجعة أولوياتها.