تكون جالسا بين الرفاق، تحضر اجتماعا، في السوق، أو حتى وأنت تقود السيارة، وفجاة يعتريك شعور لا تعرف مصدره فيبدأ جسدك بالتعرق ويضيق نفسك لدرجة أنك تشعر بأن كل الهواء حولك لا يكفيك، فتسترق النظر للتأكد أن من حولك لم يلحظ تلك التغيرات التي تنتابك وأصبحت تهاجمك في أوقات متقاربة مع مرور الزمن من عمرك. وما يضغط فعلا على أعصابك حينها لو أن أحدهم يلتفت إليك ويقول من غير أي داع: "فعلا أحسدك على طول بالك وبرودة أعصابك"! في تلك اللحظة تتمنى لو أنك تستطيع أن تصرخ بأعلى صوتك بكلمات لا تريد أن تعرف معانيها ولكنها تحمل كل أوجاع روحك، ولكنها لو خرجت، لو أنك فقط سمحت لها بالخروج، سمحت لنفسك بأن تطلق صيحات الذعر والألم فقد تريحك، ولن تعلم إن كان ذلك فعلا سيريح، لأنك لن تجرؤ على اتخاذ مثل خطوة كهذه.

اطمئن، لست وحدك، فكثير من الناس وحول العالم يعانون من هذه الحالة التي تسمى "اضطرابات القلق"، تأتي عادة من ضغط العمل والحياة، ومن بعض آثاره خفقان القلب، التعب، الغثيان، ألم في الصدر، ضيق في التنفس، آلام في المعدة، أو الصداع، ومن ثم يأتي الشعور بالذعر لكل هذه التغيرات التي تهاجم الفرد، ولكن لماذا تهاجم بعضا منا ولا تقترب من الكثير غيرنا؟! هنالك أسباب عدة، ولكن أهمها صدمات قوية في مرحلة النمو أو الطفولة، ونحن نعلم ما لهذه المرحلة من تأثير قوي على حياة الإنسان في المراحل التي تتبعها.

تقول إحدى السيدات ممن يعانين من هذا المرض: إنها حين تعرضت أول مرة لمثل هذه الحالة شعرت كأنها سوف تموت وأسرعت إلى جارتها لكي تساعدها، فنقلت إلى المشفى وتم إعطاؤها تنفسا صناعيا، وحين تكرر الأمر بدأت باستشارة الأطباء المختصين في علم النفس، وساعدوها على التعرف على جذر المشكلة الذي كان مصدره مرحلة الطفولة، حين انفصل والداها واضطرت والدتها للعمل من أجل أن تصرف عليهم، ومن الطبيعي لم يكن لديها ما تصرفه على من يرعى شؤون أطفالها في غيابها إلا أن تعتمد على الأخت الكبرى التي لم تكن سوى طفلة هي الأخرى، فكان يأكلها الرعب من ألا تكون على قدر المسؤولية، وكانت لا تستطيع أن تتذمر، فلم يكن أمام العائلة المنكوبة سوى الاعتماد على بعضهم البعض، وفوق كل ذلك كان يجب أن تكتشف كيفية التعامل مع إخوتها لكي تحثهم على تناول الإفطار والتجهز لباص المدرسة كل صباح، وفي نهاية اليوم كان عليها أن تكون الأم إلى أن تصل الأم من نهاية دوام طويل لتأخذ عنها بقية المهام، ولكن بعد أن تكون قد فقدت شيئا من نفسها إلى ذلك القادم إلى حياتها، القلق الذي لازمها أيامها القادمة، فحتى عندما تزوجت فيما بعد وأصبحت أما لم تتخلص منه، وأصبحت معاييرها أكثر قسوة على نفسها وعلى شريك حياتها، كانت تتوقع الكثير من نفسها ومنه، فبدأ بالابتعاد تدريجيا لتجد نفسها وحيدة، ولكنها وجدت الراحة في التقبل للواقع كما هو والعمل على تغيير ما تستطيع تدريجيا دون الضغط على نفسها أو على من حولها.

نستطيع أن نساعد أنفسنا بأن نؤمن بمساعدة رب الخليقة، ونتكل عليه لينور لنا بصيرتنا ويعطينا القوة للصبر والتحمل، ومن ثم نبدأ بمساعدة أنفسنا. قرأت حديثا طريقة إن اتبعت فقد تساعد على تحقيق شيء من راحة البال؛ أن نبدأ أولا بفتح طرق الاتصال بالرحمن، فنحن لا نحتاج لأي من الأجهزة الإلكترونية لنصل إليه ساعة ما نريد، لحظة ما نريد، لما لا نطلب مساعدته في أمورنا اليومية ولا نقلل من شأن أي طلب، مجرد الطلب يريح، لأنك تعلم أن تطرق باب الكريم، ومن خلال هذا الاتصال الروحاني المستمر ستجد أنك تزداد قوة وتحملا، تعرف إلى جسدك وما يصلح له من الرياضة غير العنيفة، بل المريحة كالمشي أو السباحة أو حتى شراء بعض المعدات الرياضية البسيطة وغير المكلفة ولكنها تساعد في تفريغ طاقات ومد الجسد بأخرى إيجابية.. التحدث إلى صديق مقرب ممن يعرف عنه بالإصغاء دون الحكم، مجرد أن تجد من يصغي خطوة كبيرة في بناء الصحة النفسية، وتقبل الواقع، وتعامل معه على هذا الأساس، واترك عنك صورة الحياة المثالية التي بناها لك تصورك عنها، ومنها تستطيع أن تتقدم للخطوة الأولى بأن تتعرف على الثغرات في حياتك والبدأ في العمل على سدها بما هو مفيد وفعال، لأنك لو جعلت معاييرك عالية لنفسك ولمن حولك من الأسرة والأصدقاء، سوف يشعرون بالذنب أو النقص وقد يتضايقون ويرتبكون وهم معك، وهذا ما سوف يبعدك عنهم كما سوف يبعدهم تدريجيا عنك. خذ نفسا عميقا وتقبل ومن ثم تحرك، أهم خطوة هي الأولى وما بعدها يأتي تباعا، ولا تنس أن تعالج نفسك باقتطاع وقت لتمارس ما تحبه من هوايات، ولماذا لا تأخذ راحة بأحضان كتابك المفضل وقطعة من الشوكولاته.. هذا لو كنت من محبي القراءة مثلا، وتناول الأطعمة التي تجعلك تشعر بالهدوء والسعادة مثل الموز، والحليب والبيض، والمكسرات، ولبن الزبادي، وشرائح من لحم الديك الحبش، والأجبان، وكل ذلك في ظل تواصلك المستمر مع من لا يتركك في أحلك اللحظات حين تشعر بأن لا أحد يفهمك، ستجد أن الواحد الأحد قريب بدرجة تواصلك وإيمانك.