حين تم عزل المجتمع إلى عزاب وعائلات، تفهم الجميع كل الأسباب والدوافع التي عزلت هؤلاء عن هؤلاء، بل وتم الدفاع عن هذا التوجه حتى من داخل مجتمع الشباب أنفسهم، فكما منهم رافضون للفكرة، فإن هناك من يؤيدها اتباعا لكل الشعارات والقيم والأفكار التي اقتنعوا بها بخصوص عزلهم عن الأماكن العامة وأماكن الأنشطة الثقافية والاجتماعية.

لست ضد فكرة رفع الحظر عنهم للتجول في "المولات التجارية" قرار دمجهم بالمجتمع العائلي كان يجب أن يحدث بل إنه كان القرار الطبيعي جدا، ولكن هناك أمرا أكبر من السماح بالدخول، أو المنع وهو الآلية التي سوف يتم التعامل بها مع "فئة" تم عزلها عن هذه الأماكن زمنا طويلا وفجأة يتم سحب عبارة "ممنوع دخول العزاب" ليزج بهم دفعة واحدة إلى الأسواق التي منعوا منها إلا برفقة محارمهم من النساء.

إن نظرتنا ليست بعادلة بما يكفي فهي وظفت حسب متطلبات كل مرحلة حتى يكاد يكون هذا الإنسان/ الشاب عينة اختبار لما ستكون عليه الطبيعة البشرية. إن أسلوبنا في هذا الصدد كان ابتكاريا تحت زعم حماية بعضنا من البعض وكأننا في حديقة للذئاب والأسود والنعاج.. واليوم نحن أمام تحول "من و إلى" لا أعلم تحت أي مسمى هذا التحول ولكن السؤال يكمن في كيف تم خلق تلك الحديقة المجتمعية الوهمية للذئاب والنعاج وجعل الآخرين يعتنقونها كحقيقة واليوم وكأني بنا نقول: "عذرا لا بأس بأن تفتح الأسوار والأبواب" فحكاية الذئب البشري تلك لم تكن حقيقة إنما أردنا تخويفكم بها لتناموا طويلا والحياة لعبة من يمسك بخيوط اللعبة.

من المؤلم أن نجد أننا أمام مفارقات صعبة كهذه بعد أن تم تدجيننا على أفكار مثل فكرة " الذئاب البشرية " وإجبارنا على تصديقها والتحرك حسب مقتضياتها واعتبارها مسلمات لا تمس، وبين ليلة وضحاها نجد أن هناك متسعا من الحياة، متسعا من الإمكان، متسعا من المتاح وأن هؤلاء الذئاب البشرية ليسوا إلا "فزاعة" لإخافتنا وأنهم إخواننا، وأبناؤنا وبشر مثلنا.

إذا ماذا عن الوقت الذي مضى من سيعوضنا عن كل الأشياء التي مورست ضدنا وضد تفاصيل حياتنا البسيطة وتم التسليم بها تماما حتى إن هناك الكثير ممن دفع الثمن غاليا لأنه كسر القاعدة ومارس حياته علنا في وقت مخصوص ومكان مخصوص كمثال "دخوله السوق دون محرمته" هناك شباب تم القبض عليهم ولوثت صحيفة أعمالهم بدمغة "فيش وتشبيه "من الصعب أن يمحوها النظام والسبب دخوله السوق منفردا والتجول فيه عمدا.

الشباب هم القيمة الكبرى لأي مجتمع، ويكفي ما نالهم من إقصاء، وتشويه لكيانهم داخل المجتمع، وهز ثقتهم بحالهم وبنبلهم، فاليوم لا سبيل أمامنا إلا بالتغيير والعودة إلى نموذجنا الحقيقي. والرهان على كل الوعي الكبير والمتقدم الذي يعيشه الشباب وإن شذ البعض عن القاعدة فلا يؤخذ البقية بذنبهم.