في لحظة واحدة وبتوقيت متزامن بشكل عجيب كانت فضائيتان طائفيتان متناحرتان تبثان برنامجين مخصصين لكشف "حقائق" وشبهات الآخرين على الضفة الطائفية الأخرى. حيث يبدأ عادة "الضيفان الكريمان" بالتأكيد على أخلاق المسلم في الحوار والتأدب مع "المخالف" ، ثم ينتقي كل واحد منهما كتابا من ركام الكتب التي تمتلئ بها الطاولة التي يجلس على طرفها الآخر مذيع متكوم على نفسه في انشغال تام بحفظ الأسئلة التي كتبت له سلفا. طبعا هذا الكتاب ليس من مراجع "مذهب" أي من الضيفين التي تدرس منذ مئات السنين، بل هو "صيد ثمين" مما يدرسه أصحاب "المذهب المخالف"، حيث سبق أن حددت صفحات أو عبارات ضمن مئات الصفحات لكي تقرأ هي وحدها. وبعد قراءة تلك العبارات تتوجه الكاميرا للمذيع وهو فاغر فاه "من هـول ما سمع" فينطلق مبادرا بالسؤال: يا شيخنا، ياسيدنا، يا مولانا، يا حجتنا.. كيف ترد على هذا "الكفر الصريح".. وكيف نحذر من هؤلاء؟ فيبدأ الضيف في جمع كل عبارات التنديد والتحذير التي قد تتـطور على لسان متـصل من الأتباع إلى سبـاب وشتائم صـريحة، وربما خـوض في الأعـراض وتحريض على القتل. وقد يكون هذا المتصل من أوروبا أو اليابان وهو فـعليا جـالس على أريكة مريحة في الطرف المظلم من الأستديو!

"رفع حرارة" الحلقة والحرص على أن تجلب كما كبيرا من الاتصالات ورسائل التأييد، ولا بأس من رسائل التنديد، ما دامت تجلب مالا يضاف إلى "الرصيد الجماهيري"؛ أمر مهم للغاية لكل صاحب "مصلحة" فالتجارة التي لا تحرك تموت.

ولأننا فئات يمكن تحريكها للتناحر، فإنه لا بـأس لـدى صاحب "المصلحة" أن يفعل ذلك، ما دام الأمر "تجارة وشطارة" أداتها التسويقية شخصية تحب "تسولف كثير" وهوايتها البحث في النوايا والانتقاص من الآخرين، وهو ما سيجلبهم ويجلب غيرهم لـ"قناتنا المغمورة" ويخرجها من "كم مشاهد" إلى ملايين المتابعين من الجماهير. وفي النهاية سـتتم محاولة تدارك الصراع بإغلاق أو حـجب القناة عن المشاهدة، فتظهر أخرى باسم جديد، وبنفس الطاقم "الفكري".