فالأيام تقضي مراحل أعمارنا، وتطوينا نحو الفناء، وترحل بنا نحو دورتها الحتمية، ونحن نكابر، أو نتجاهل رحيلنا عبر الأيام، وننسى أن كل يوم يمضي من العمر يجهز على رصيد البقاء، ويزيد في القرب من دائرة الانتقال من حياة إلى حياة، نبكي على الأيام إذ رحلت، وبعد كل يوم تشرق أيام، ونحزن لذهاب الليالي، وشموس الأيام تغيب لتفضي إلى مزيد من الليالي، وبين بركات المواسم نجول، أو هي تجول علينا كل حين.
نعدُّ بقايا الزمان، ونحن في الأصل بقاياه، ونودع كل عام بآهات الرحيل، ونقرأ مآسي النوى على انقضاء الأوقات، ولا ندرك أننا الراحلون بانقضاء الزمان، فهذا رمضان ذهب ليعود، أما نحن فنذهب بلا وعود، ولا ندري هل سيكتب لنا المعاد؟.
مكابدون كما قال المولى جل جلاله: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، نقضي الحياة بين مديد الأمل، ونودع الباقي من الزمان، وننسى كرّ الجديدين، ونبلي بزعمنا الوقت، ونحن أقرب للبلى.
فلا رمضان ودّع، ولكننا من ودّع خلاله الأعمار، فرمضان في الغد القريب آت، ليفتح للباقين الأمل، ويشرع لهم الأبواب، مهلا رمضان فأنت خلال الزمان تبدو كل عام، أما نحن فلا ندري هل لنا في غد نصيب، فلو تودّعنا فنحن في الحياة عابرون، ولك الخلود، حتى يتبدل المغربان، وسنة الحياة أن يقال: وداعا أيها الراحلون!.
فهل نحن رحلنا عن رمضان إلى لحظات أقرب لفراق بلا إياب؟ أم رحل رمضان إلى مغيب له إياب؟
لنقف قليلا ندقق في المفردات، ونستجلي الحقيقة بين معاني الكلمات، لندرك حقا أن الأولى بالوداع من يدوم به الغياب، ويصدق في حقه طول الرحيل، أما المهاجر عبر الزمان، فله خلال المدار إشراقة تهلّ بالبشائر كل عام، وله بين الباقين صوت يصدح كل موسم «أهلا رمضان».
وعلى كل التأويلات فرحلة الحياة أمل، ولكل كتاب عند الله أجل، وسواء رحلت بنا يا رمضان، أو رحلنا عنك، فأنت شهر لك السناء بين كل الدّهور، وأنت زمن يحلو بك اللقاء، وروح من نفحات الله تهنأ بها النفوس، وتطيب بها الأنفاس، وكلنا إلى الله رجاءٌ، ألا تكون في رصيد الأعمال لدينا من المفقودين، أما عناق اللقاء بيننا فمرده إلى الله، وبين شوقنا وتلك اللحظات تمضي قدرة الله، ولكننا نقول بأمل: بعد وداع اليوم يلتم الشتات غدا، ونردد فيك «أهلا رمضان».