من الممكن تفهم أن يكون "حافز" قناة لتمرير مستحقات مالية لشريحة تعاني نوعا من الحاجة الاقتصادية وهو أمر مشروع، ولكن الادعاء أن "حافز" كبرنامج يشكل أحد أوجه حل مشكلة البطالة هو ادعاء بحاجة لإعادة نظر.

برنامج "حافز" هدفه الأساس كما هو وارد في موقعه الرسمي هو تحفيز الشباب الباحثين "بجدية" عن العمل، وذلك من خلال صرف مخصص مالي شهري لهم، إضافة لتوفير برامج تأهيل وتدريب لزيادة فرصهم في الحصول على وظيفة.

ضوابط الاستحقاق للبرنامج لا تضع أي تعريف لمن هو "جاد" في البحث عن العمل، كما أن البرنامج يضع شروطا أساسية للاستمرار في الحصول على الإعانة المالية منها شرط "الاستمرار في البحث بجدية عن العمل" دون إيضاح كيف يتم تطبيق ومراقبة هذا الشرط، ومؤخرا أعلنت وزارة العمل أنه سيتم توقيع عقوبات على الرافضين لبرامج التدريب ضمن "حافز"، ولكن السؤال ما فائدة هذا التدريب وما حقيقة اختلافه عن برامج التدريب الأخرى كبرامج صندوق تنمية الموارد البشرية؟

منطق "حافز" غريب، فهو من جهة أولى لا يعطي تعريفا للجدية، والتناقض الحقيقي هو أن "حافز" يفترض أن مشكلة البطالة قائمة على فكرة أن العاطلين الذين لا يجدون وظائف اليوم هم بصورة عامة مؤهلون للعمل، وعلى استعداد له، وأن المشكلة تكمن في فرص الحصول على الوظيفة، ولذلك يقوم "حافز" على فكرة التوفيق بين المتقدمين والوظائف الشاغرة في الاقتصاد وإعطائهم بعض التدريب الذي يؤهلهم لاقتناص هذه الوظائف، وهو ما يتضح من خريطة برامج التدريب التي تقدمها المراكز التابعة للبرنامج، ومن أمثلة هذا تدريب المنتسبين لـ"حافز" على كيفية كتابة السير الذاتية وإجراء المقابلات الشخصية المطلوبة للعمل وغيرها من ورش العمل التي تتعلق بالتأهيل الأساسي للحصول على وظيفة.

ورغم أن المسكوت عنه في منطق "حافز" هو افتراض أنه يوجد بالفعل وظائف شاغرة لمن يبحث عنها، وهو ما يتعارض مع فكرة: لماذا لم يجدها إذا أولئك الباحثون بجدية عن عمل؟ وماذا سيقدم "حافز" في هذه الحالة من فرق حقيقي؟ فإنه ومن أجل التجاوز وافتراض أنه يوجد بالفعل وظائف وأن "حافز" من خلال قيامه بالتوفيق بين الشركات والباحثين عن وظائف يقدم بالفعل حلا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل فعلا أولئك المتقدمون للوظائف مؤهلون لها بالفعل؟ هذا أمر لا علاقة له بـ"حافز" ولن يستطيع "حافز" المساعدة فيه. هذا أمر يتعلق بخلل بنيوي حقيقي في منظومة التعليم والاقتصاد والمجتمع، يتحول معه "حافز" لمجرد مسكن ألم سرعان ما سيزول تأثيره القوي.

الأخت داليا باعشن إحدى الموظفات السابقات في أحد مراكز التوظيف التي تساعد الباحثين عن عمل والمسجلين في "حافز" أوردت لكاتب هذه السطور جزءاً من تجربتها، وهي تستحق النظر كونها تكشف جزءا من هذا الخلل المشار إليه، خاصة وأن ما يتعلق بعمل النساء العاطلات على وجه الخصوص يكشف أبعاد المسألة بجلاء أكبر.

داليا كانت مسؤولة عن توفيق المتقدمات المسجلات في "حافز" بوظائف لهن، والمشكلة الأساسية التي واجهتها كانت أن أغلب الوظائف تتطلب إجادة للغة الإنجليزية وهو الأمر المفقود لديهن، من جهة أخرى فإن فتيات كثيرات من خريجات أقسام الجغرافيا والتاريخ – على سبيل المثال – ولا يملكن أي تجربة عمل أصبحن في حكم غير المؤهلات تماما للعمل ما لم يحصلن على تدريب لأعمال السكرتارية وغيرها، وهو ما يطرح استفسارا عن منظومة التعليم من أساسها.

تعاملت داليا مع 35 فتاة، واحدة منهن فقط كان لديها سائق، وهذه قضية أخرى تتعلق بمشكلة الوصول لمكان العمل واعتماد ذلك على الأب أو الزوج، ثم هناك فتيات يعشن خارج المدن ويصعب عليهن التنقل للعمل أو حتى لبرامج التدريب الخاصة بـ"حافز"، وبعضهن ممن لا يملكن خادمة في المنزل مضطرات لاصطحاب أطفالهن أو الحصول على وظائف ينتهي دوامها مبكرا من أجل العودة وإعداد الغداء وغيره من الأعمال المنزلية. والسؤال ماذا يقدم "حافز" فعلا لمعالجة مثل هذه القضايا، وإذا كان البرنامج غير مسؤول – بطبيعة الحال – عن هذه التحديات فالسؤال هو: ما الفائدة فعلا من كل الجهد؟

في مقابل هذا، وعندما تتوافر وظائف في أماكن مثل المستشفيات والمحلات التجارية، فما واجهته داليا هو اشتراطات اجتماعية كرفض الأب أو الزوج هذه الوظائف التي يرون فيها شبهة اختلاط، ووصل الأمر حدا أن فتاة رفضت وظيفة لأنها ستقوم فيها بخياطة "بناطيل رجالية"، وبعضهن رغم كون مكان العمل نسائيا بالكامل إلا أن وقوعه في مبنى مختلط كان سببا لرفض الوظيفة، وبالطبع "حافز" لا يضع شروطا تجبر أحدا على القبول بوظيفة ضد رغبته ولا يجوز ذلك، ولكن بعد أن ينتهي عام كامل ويخرج المنتسب لـ"حافز" من البرنامج، ماذا ستكون المحصلة النهائية لتجربة "حافز" هذه؟

هذه الملامح العامة توضح أن التعامل مع مشكلة البطالة لا يبدأ ولا يمر بـ"حافز" وإنما من خلال معالجة المشاكل البنيوية الموجودة، وهو الأمر الذي لا يتم حتى الآن بالشكل المطلوب. الخلل الأصلي هو في غياب التعليم والمهارات الأصلية المؤهلة للعمل وهي لو كانت موجودة ما كان هناك من الأساس داع لـ"حافز". وحتى ذلك الحين فإن الصورة الأبلغ عن هذا البرنامج هي كاريكاتير عبدالله صايل في جريدة الاقتصادية الذي يظهر أبا يخطب لابنه قائلا: "أبشرك ولدنا عاطل ويستلم 2000 ريال.. قلنا نزوجه ويستقر".