في بدايات الصحافة العربية ومنها صحافتنا المحلية، كانت مرآة الحركة الأدبية والفكرية ومكان الجدل الأدبي والثقافي والاجتماعي بجميع اتجاهاته، ولذلك كانت محطة العمل الأثيرة لدى الكثير من الرموز الثقافية العربية، حتى إن إنتاج بعضهم ارتبط ارتباطا وثيقا بالصحافة.
ومع أن المساحات ضاقت والإحباطات والتهميش طالت صفحات الأدب خصوصا، إلا أن الارتباط التاريخي أدى دوره في الإبقاء على مكان ما للثقافة والأدب في صحافتنا المحلية.
لكن مشكلة هذا المكان الضيق أنه قد يتحول في لحظة ما إلى مكان لجدالات عقيمة حول قضايا هامشية لا تمثل متن القضايا الثقافية التي يجب أن تعالج، وهذا يظهر في سيادة خبر سطحي لا يتعلق بلب الفعالية الثقافية على ما سواه فيأخذ كل الأضواء ويتربع على كل المساحات، ولعل الهدوء الصحفي الذي صاحب معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، خلافا لما حدث في أعوام سابقة، أكبر دليل على أن الصحافة الثقافية لم تعد تتميز عن صحافة الحوادث اليومية وأخبار الأسهم، سوى بعنوان الصفحة الذي يشير إلى أنها للثقافة والأدب على وجه الخصوص.
لو تتبع الإعلامي محتويات معرض الرياض هذا العام، سيجد أنها لا تختلف كثيرا عن محتويات العام المنصرم، سواء من جهة توافر الكتب ذات الطرح العميق، أو تلك التي لو عرضت بشكل صحيح لأثارت نقاشا مهما، أجدى من النقاش حول "محتسب دخل المعرض" أو تناقل عمل روائي أو شعري رديء جدا بالمقاييس الفنية، ولكن سبب شهرته أنه انتقد "الهيئة" أو حوى "ألفاظا بذيئة " بالمقاييس الاجتماعية. وما عدا ذلك تجده يمر مرور الكرام دون أن يلتفت إليه أحد، ولو قدر وكتب عنه شيء فهو من باب (صدر لفلان بن فلان) فقط .
المشكلة الحقيقية في العلاقة بين الإعلام والثقافة حاليا، هي أنه في حال غياب مفتعلي الصراخ ومسببي الصدام اللفظي وربما الجسدي داخل الفعاليات الثقافية وفي غياب القافزين على ظهر الأدب من خلال ما يسمونها "روايات أو دواوين" وكل محتوياتها غثاء وتسطيح مموج لقضايا يعرفون أنها تثير الجدل العقيم في المجتمع؛ في حال غياب هذين الأمرين ستموت الفعالية مكانها وستذهب دون أن يعرف عنها أحد، وكل ذلك ببركات إعلام لا يعترف بسوى "اصطدمت سيارتان وسط الشارع...." وما شابهها من "أخبار ثقافية".