الفتاة عادية المظهر ابنة صاحب البقالة المهتم بالسياسة، الفتاة التي تصرخ بها أمها عندما تتوقف لتستمع لما يقوله الرجال، لكنها لا تواصل الاستماع بل تنخرط في النقاش مما يلفت رجلاً مميزاً يرقبها من بعيد، وعلى شفتيه تلوح ابتسامة لم تفهم كنهها من قبل حتى خطبها لتبكي معترفة بأنها ليست جميلة بما يكفي، ولا تعرف الطبخ لتكون زوجة، لكنه يكتفي بابتسامة ويتزوجها.
في فيلم (المرأة الحديدية) الذي أثار ضجة في العالم، وخصوصاً لدى المحافظين، كونه أظهر المرأة الحديدية كعجوز ضعيفة تعاني من الزهايمر؛ شعرت وأنا أتابعه بأنه يتحدث عن زوجها دينيس تاتشر أكثر منها هي، فالرجل الذي دعمها بأمواله وبكلماته وبحبه يظهر كحبيب في الفيلم تئن زوجته العجوز من فقده في اللحظات التي تستعيد ذاكرتها فيها، وتستمد منه صبرها على الحياة عبر تخيل وجوده في القرب، قلت ذلك لصديقة لكنها لم تؤيدني بل قالت: إن الفيلم ليس سوى شماتة كبيرة من الليبراليين بهذه العجوز بدءاً من المشهد الأول الذي يصوّر تاتشر تشتري قنينة حليب من بائع ملامحه عربية، ويزاحمها على الكاشير شاب أسود، كأن ذلك يتضمن رسالة قصيرة مفادها: "تاتشر أيتها المحافظة، لقد فتحت بريطانيا أبوابها للإنسان مهما كان دينه أو لونه وولّت أيام المحافظين"، لكنني لا أؤيدها في ذلك، ربما لأنني عاطفية أكثر منها، وأرى أن الفيلم استطاع أن يعيد تاتشر لذاكرة الناس، وليس ذلك فقط، بل جعل البعض يذرف الدموع في لحظات مشاهدة ضعفها، وإن كان الفيلم يعود ليستفزك وخاصة المشهد الذي تأمر فيه تاتشر بإغراق السفينة الحربية جنرال بلجرانو في حرب بريطانيا مع الأرجنتين؛ مما يسفر عن مقتل 323 جندي بحرية أرجنتينيا، إنك لحظتها تصرخ في داخلك: يا إلهي، أي كائن يسكن هذه المرأة، ثم تعود لتقول: إنها تفعل ذلك لأجل وطنها، وخصوصاً عندما تلوح بيارق النصر ويخرج البريطانيون الذين يكرهونها يحتفلون بأول نصر لبريطانيا في العصر الحديث، صنعته امرأة درست في مدرسة حكومية ونشأت في بيئة أقرب للفقر.
لكنها مع ذلك - ككل النساء- لديها الثقة المفرطة بالنفس، ويفسرها كريس باتن في وضع تاتشر بـ"عندما تبدأ في تصديق الصورة التي ترسمها لنفسك تبدأ في الاعتقاد بأنك لست بحاجة لجسر لعبور النهر، وأخشى أن يكون هذا ما بدأ يحدث لمارغريت".
في نهاية الفترة الثالثة لها - كما يصورها الفيلم- تملكتها روح السيطرة، فانفضّ عنها الجميع إلا زوجها رجل الأعمال الذي أحب فتاة عادية المظهر تملك طموح ألف رجل، فأبقى يده دائماً حاضرة ليسندها.
كيف استطاعت تاتشر أن تحافظ على وجوده في حياتها؟ أظن أن سرها يكمن في قولها: "على المرأة أن تعرف متى يتصرف الرجال كالأطفال". إننا كنساء نتفق على أن الرجل ما هو إلا طفل كبير لكننا ننسى ذلك في لحظات مواجهة حقيقية فنخسر حبهم في الوقت الذي لم يكن الأمر يحتاج سوى حضن كبير فقط.