يقول فضيلة الشيخ الدكتور عبدالوهاب الطريري، في محاضرته بالجامعة الإسلامية إن (سيرة النبي المصطفى في مناهجنا ضامرة، وإن هذه المناهج لا تقدم من حياة سيد الخلق إلا أمورا يسيرة كعدد الغزوات وعدد الشهداء، ولا تلقي الضوء على حياته وكيف عاش...)، وما يشير إليه فضيلة الشيخ من ضمور يعتري تسليط النور على الجانب الإنساني من حياة خير الخلق، لا يقتصر على المناهج الدراسية فحسب، بل ينسحب على شتى المناشط والمناهج الدعوية.
نحن، وبكل الصراحة، وفي الأغلب، نخرج من صلاة الجماعة والجمعة مأزومين بخطب لا تتحدث عن الإسلام إلا بحوادث الجهاد والقتل، ونخرج منها أيضاً وقد دعونا (بالآمين) على شتى الملل والديانات باللعن وتجفيف الدماء في العروق، ولا نخرج منها إلا وقد حذرنا نصف المجتمع من نصفه الآخر ولا نغادر سواد هذه الخطب إلا وكل يشك في منهج أخيه المجاور له في صفوف الصلاة وفي سلوكه وفي حياته ومنهجه ومعتقده.
من فيكم يتذكر آخر خطبة أو محاضرة بعثت فيه روح الأمل وقتلت فيه وساس اليأس والقنوط من رحمة الله. كان هذا النبي المصطفى، وما زال أول رسالة تحرير لكرامة الإنسان في تاريخ البشرية. كان نصير المرأة ضد الوأد والعنف والغلظة، وكان رفيق الرقيق في (صبراً آل ياسر) وكان القدوة المحببة إلى قلوب – أطفال الصحابة – الذين كبروا على حبه وكانوا من بعده قادة الرأي والمعارك وحملة القرآن والفقه. هذا الرسول الإنسان لم يكن كما قال فضيلة الشيخ مجرد سرد (للغزوات والشهداء) بل كان حياة إنسانية مليئة باللين والرفق والتسامح والمحبة، ولكن أحداً لا يشير إلى هذه المفردات الخالدة.
ويوم الفتح العظيم لمكة المكرمة، دخل الصحابة بشوق عارم وعاد كل منهم إلى أهله وبيته، وذكرياته وبقي سيد الخلق وحيداً في – الفلاة – وعندما سألوه كان الجواب (وهل ترك لنا عقيل من بيت)، إشارة لابن عمه الذي باع منزل آل أبي طالب.
أي قيمة إنسانية هي أرفع من تلك التي لا يجد فيها قائد الأمة ونبيها مأوى يذهب إليه في يوم الفتح الأكبر ليبقى وحيداً تحت الشمس وكل فرد من أمته يدخل آمنا إلى بيته.
هذا النبي الذي لم يكن لعاناً ولا سباباً يستحق آلاف القصص المبكية الحزينة من حياته الإنسانية التي كانت ضامرة لا في المناهج فحسب، بل في خيال القسم الأعظم حتى من أمته.