في منتدى الإدارة والأعمال الثالث الذي عُقد الأسبوع الماضي اختار رئيس المنتدى الأكاديمي الإداري القدير الدكتور عبدالله الشدادي موضوع القيادة الإدارية كأحد أهم المواضيع على قائمة برنامج عمل المؤتمر واعتبره عنوانا رئيسيا للمنتدى. ولقد وفق القائمون على المنتدى في اختيار الموضوع والتركيز عليه، لأنه يعتبر من أهم المواضيع التي تعاني منها الدول النامية والفقيرة على المستويين العام والخاص.
وأرى من وجهة نظري الشخصية أن من أهم أسباب فشل وتأخر التنمية في العالم النامي والفقير هو عجز القيادات بجميع أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في تحقيق الأهداف الرئيسية التي تسهم في دعم بناء التنمية وتطويرها. ولقد شاركت في إعداد دراسة تحليلية عن موضوع القيادة الإدارية في القطاع الخاص وذلك قبل حوالي 25 عاما في محاولة مني لتطوير مفهوم القيادة الإدارية في الدول النامية، كان نتيجة هذه الدراسة، أول إصداراتي العلمية، كتابا بعنوان (القيادة الإدارية)، حللت فيه جوانب عديدة من شخصية القادة الإداريين، واستعنت بنماذج مثالية في عملية اختيار القادة الإداريين حسب المفهوم العلمي والعملي الحديث والمطبق في بعض الدول المتقدمة.
وعرضت نماذج مختلفة للقادة الإداريين المثاليين، وكنت أتوقع أننا قد نستفيد من النظريات العلمية والمبادئ الأساسية المثالية في اختيار القادة الإداريين في الدول النامية ونحن منها، وعرضت بعض تجارب الدول المتقدمة في بناء القادة واختيارهم بعد تأهيلهم للوظائف القيادية ثم متابعة أدائهم عن طريق تقييم أدائهم، إلا أنني وغيري من المنظرين الأكاديميين المتخصصين في هذا المجال اكتشفنا فيما بعد أننا كنا ننفخ في قربة مخروقة، فالأمر في العالم النامي والفقير يسير في اتجاهات مغايرة ومختلفة عن النظريات العلمية والتجارب والوسائل الحديثة المستخدمة في العالم المتقدم في بناء وتأهيل وتقييم أداء القادة الإداريين، حيث يكون الاعتماد في العالم النامي والفقير عند اختيار القادة الإداريين على المحسوبيات والمصالح الشخصية، وتأتي الكفاءة والمؤهل والتخصص والخبرة والمهنية في آخر الاعتبارات، وهي حقيقة على أرض الواقع نعيشها ونتابعها ونعاني منها وتعاني التنمية في الدول النامية والفقيرة منها، وهي السبب وراء فشل خطط التنمية والسبب وراء الفساد الإداري والمالي، وهي السبب وراء بقاء الدول النامية والفقيرة في مكانها.
ولم تتحرك خطوات صعودا للوصول إلى مراتب الدول المتقدمة. وبصرف النظر عن قوة بعض الدول النامية الاقتصادية من خلال مخزونها الاقتصادي، فالقيادة الإدارية الناجحة هي التي يقف خلفها قرار حكيم يحسن اختيارها، بعيدا عن أي اعتبارات غير مرتبطة بالكفاءة والخبرة والقدرة والمؤهل والمهنية والأمانة. ومع افتراض حسن النية في الاختيار أحيانا لبعض القادة الإداريين، إلا أن حسن النية منفردا قد لا يكفي للاختيار المتميز. والقيادة الإدارية المتميزة أيضا تحتاج إلى تطوير مستمر شريطة تحديد مدة قيادتها، لأن جميع الدراسات أثبتت بالتجربة والتحليل أن مقاييس الأداء تؤكد أن أقصى مدى لإنتاج القادة الإداريين هو ثمانية أعوام، ثم ينحدر أداؤهم، وأن قمة الأداء تكون في السنوات الأربع الأولى، وبعض القادة الإداريين في العالم النامي والفقير يظلون على كراسيهم عشرات السنين وكذلك يبقى معهم أتباعهم من المسؤولين التنفيذيين حتى يُصاب بقية الموظفين وبعض الكفاءات بحالات الاكتئاب والتضجر التي تصل إلى الإحباط الذي يؤدي إلى ضعف الإنتاجية أو يؤدي إلى الفساد المالي والإداري.
وواقع الحال يؤكد أن هناك خللا في برامج إعداد القادة واختيارهم، وقد يكون الأصح أنه لا يوجد أصلا برامج لإعداد القادة الإداريين في مختلف التخصصات ما عدا القادة العسكريين، فلهم برامج متميزة لإعداد القادة، ولهم برامج تقييم ومرتبطة أعمالهم بفترات زمنية محددة، وكذلك الدبلوماسيين لديهم معهد متخصص لإعداد سفراء ودبلوماسيي المستقبل. وكذلك السلك القضائي في المملكة هناك برامج ومعاهد متخصصة لإعداد القضاء ولهم برامج تدرج وظيفي لا تدخل فيه الاعتبارات الشخصية. وكذلك الحال لإعداد قادة الطيران الجوي، أما حال القادة الإداريين فهي اختيارات مزاجية لها علاقة بعوامل عديدة لا ترتبط في كثير من الأحيان بمبادئ وأسس اختيار القادة، إذ يتم اختيار بعضهم بالتزكية الشخصية فقط، في الوقت الذي يوجد في المجتمع من هم أكفأ وأقدر وأكثر تميزا، وقد يكون أداؤهم أفضل وأسرع للوصول للأهداف.
ومن نتائج تجارب الاختيارات غير الموفقة لبعض القادة الإداريين وقعنا في عدد من الأخطاء ورأينا بعض الكوارث والأزمات الاقتصادية، ولهذا كانت الدعوة لإنشاء مراكز بناء القادة الإداريين على جميع المستويات ووضع معايير وأسس اختيار القادة الإداريين بعيدا عن الاعتبارات الشخصية. ومن أبرز المفكرين في مشروع إنشاء مراكز بناء القادة هو الأمير خالد الفيصل صاحب المبادرة في إنشاء هذا المركز والذي هو في طور الإنشاء، وقد نحتاج إلى أكثر من مركز لبناء القادة في مختلف التخصصات، شريطة أن ترتبط هذه المراكز ببرامج اختيار القادة الإداريين، وإلا فستكون مراكز إعداد القادة تسير في اتجاه؛ وطرق ووسائل اختيار القادة الإداريين تسير في اتجاه آخر.
إن من أهم أسباب فشل القيادات الإدارية هو عدم وجود خطط ثابتة في تحقيق الأهداف الرئيسية، ولهذا نجد أنه كلما تغير القائد الإداري أوقف خطط القائد السابق وبدأ بوضع خطط جديدة حتى وإن كانت الخطط السابقة معتمدة ومطبقة وتحتاج إلى تكملة مسيرة العمل للوصول للأهداف وتحقيق نجاحها.
ولهذا فإنني أتمنى دعم التوجه لإنشاء مراكز بناء وإعداد القادة الإداريين، وأن يتم اختيار القادة من هذه المخرجات المتخصصة وأن توضع خطط لتقييم أداء القادة الإداريين وعلى وجه الخصوص درجة رضا المجتمع.