تضغط إدارة الرئيس ترمب حالياً لإصدار أمر من شأنه أن يصنّف جماعة الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية أجنبية»، حيث أصدر البيت الأبيض بعد الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 9 أبريل الماضي تعليماته للأمن القومي ومسؤولين دبلوماسيين لإيجاد طريقة لفرض عقوبات على الجماعة.

إلا أنه وبحسب ما ورد من مصادر مطلعة، فإن هناك تكتلا داخل أروقة الأمن القومي والدبلوماسي، إضافة إلى رجال قانون يعترضون على مساعي الرئيس، بحجة أن جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن أن يتم التعامل معها بموجب القانون باعتبارها حكومة أجنبية، وأن القرار الذي تسعى الإدارة إلى إصداره سيؤدي إلى التعقيد والتأثير سلباً على الدبلوماسية الأميركية في عددٍ من البلدان ذات الأحزاب السياسية التي لها جذور مع الحركة مثل قطر وتركيا والأردن. إدارة ترمب حتى تاريخه لم تقدم بيانا علنيا يوضح الأسس التي تبني عليها قرارها بالسعي إلى تصنيف الجماعة إرهابية، أو الحدود التي يمكن أن يشملها القرار الذي لابد له وفق القانون أن يتضمن مجموعةً من المعايير الأساسية التي منها: أن تكون بالأساس منظمة أجنبية، وثُبتت مشاركتها في أعمال إرهابية أو تخريبية، أو لديها النية للقيام بذلك، إضافة إلى كون تلك الأعمال والنشاطات تهدد الأمن الأميركي.

المتشككون من القرار يقولون إن هذه الجماعة كما يبدو لا ينطبق عليها أي من هذه المعايير، على اعتبار أن الجماعات ذات التوجه الإسلامي في العالم شبكة فضفاضة من الحركات والأحزاب السياسية التي تختلف في عقائدها وإستراتيجياتها، إضافة إلى أن هذه الجماعات لا تدعو إلى الإرهاب وفق تفسيرهم للقانون الأميركي الذي يصف الإرهاب بأنه «عنف متعمد بدوافع سياسية يُرتكب ضد أهداف غير قتالية»، وهو رأي يبدو أنه فاقد للبوصلة تماماً، فقراءة بسيطة لتاريخ الإخوان في مصر منذ التأسيس يثبت أن الجماعة انتهجت العنف منذ بداياتها، وما الجناح القطبي الإخواني إلا التجلي الأوضح للفكر الجهادي العالمي الذي يعتاش عليه اليوم جميع الإرهابيين المتأسلمين.


إلى جانب كل هذا، فقد حذر المدافعون عن الحريات المدنية من أن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، يمكن أن يستخدم لقمع جماعات الدعوة الإسلامية والمنظمات المجتمعية والجمعيات الخيرية في أميركا، وذلك على شبهة تواصل أو ارتباطات مع جماعة الإخوان المسلمين مما قد يؤدي إلى تطور الأمور لملاحقة جنائية على أساس «الدعم المادي»، الأمر الذي قد ينتج عنه نتائج وخيمة على هذه الجماعات بما في ذلك مصادرة الأموال.

هذا كله هو الموقف المناهض لسعي الإدارة الأميركية والذي له أتباع ومشتغلون يعلمون بأجندات مختلفة على إجهاض ما يسعى إليه ترمب ومؤيدوه، في وقت لا نجد جهدا حقيقيا من الإدارة أو الداعمين لهذا التوجه في محاولة تقديم الإثباتات التي تؤكد صحة التوجه والتي يمكن استنباطها من تلميحات وكتابات الجماعة نفسها ومن خطابها المتحاذق في الداخل الأميركي الذي يتصدره مجموعة من الأفراد والجماعات التي ثبت تورطها بالتعاون مع جماعات كحماس التي سبق أن صنفتها أميركا كجماعة إرهابية.

البعض في أميركا يرى أن «مسعى التمكن» الذي تنتهجه الحركات الإخوانية في أميركا والذي يعني العمل بالطرق السلمية للتمكن من تحويل البلاد مع الوقت لقبول بالإسلام كنظام للدولة أمر مقبول، على أساس حق الجميع بالعمل السياسي في بيئة أفكارها حرة، وهو المبدأ الذي دفع بالرئيس أوباما على الأقل من الناحية المصلحية بدعم وتشجيع مشاركة هذه الجماعة لانتخابات دول ما عرف بالربيع العربي من أجل تهميش جماعات إسلامية أخرى كالقاعدة من التأثير والهيمنة على المجتمعات، إلا أن ذلك لم يتحقق مثلا مع حماس «الإخوانية» التي تبنت العنف وانقلبت على مصالح مشروع الدولة الفلسطينية، وعملت بعد وصولها للسلطة على إلغاء كل الاتفاقات والمجهودات التي قام بها الفلسطينيون ومن خلفهم العرب الداعمون من أجل الوصول لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة.

مشكلة بعض المشتغلين في السياسة والمجتمع المدني الأميركي أنهم محدودو الإدراك في التعاطي مع فهم وتحليل أحداث التاريخ ثم ربطها بمعطيات الواقع وتجاذباته، فالعلاقة الوطيدة التي تربط شخصا بآخر غير مرغوب فيه والمبنية على قناعات وأهداف مشتركة لا يعني إلا أن الشخصين هما ذات الشيء، وإن كانت أميركا قد اكتوت كما الكثير من دول العالم من آفة القاعدة، وهي الوليد الشرعي للفكر الإخواني كما تم إثباته وفق شهادات قاعديين كثر، ولعل آخرهم «علي الفقعسي» في حديثه التلفزيوني مع الزميل عبدالله المديفر قبل أيام معدودة، عندما قال إن «كل التيارات المتطرفة خرجت من رحم جماعة الإخوان واستفادت من تأصيلاتها»، إلا دليلا آخر يضاف لمئات الأدلة والإثباتات، إلا أن الفهم الأميركي في كثيرٍ من الأحيان يصطدم مع معضلة الاتكاء على القراءة المباشرة لظواهر الأمور دون السعي بشكل جدي إلى سبر بواطن المسائل بحجة الاستناد لنص العقل لا لروحه ومعناه. الحرب ضد الإرهاب ليست فقط حربا يتصدرها الأميركان كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل هي جهد دولي لدى كثير من الدول خصوصا الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، ولا زالت تلعب دورا حقيقيا في إحداث الفرق، فمن يعتقد أن أميركا لديها الحلول والإجابات لحل كل المشاكل خصوصا مشكلة الإرهاب الإسلاموي وتحديدا في أميركا، فإنه يعطي المارد حجما أكبر من حجمه الحقيقي في التعامل مع قضايا لا تتطلب العضلات والأسلحة المتفجرة والأجهزة الرقابية، بل تتطلب الحجة والإثبات والبرهان السياسي ولعب لعبة القوانين والتشريعات والإعلام والرأي العام في وقت يصول ويجول الحزبيون الإقصائيون والإرهابيون ومن خلفهم دول مستفيدة برداء البراءة والتمسكن من أجل الإفساد والتضليل لتحقيق التمكن.