واطرحوا سويعة تلك الصحائف؟
وتعالوا معي.
تعالوا معي لنتمشى على بر الحقيقة وفي وادي الصراحة العميق وتحت أشعة الشمس المحرقة، التي لا يبقى هناك تحتها شيء من الصحائف الفارغة والأقلام العوجاء.
تعالوا معي.
ها قد وصلنا إلى محل المذاكرة وعلى بساط البحث، فلنتفاهم يا إخوتي لنتفاهم يا أعزائي المغرورين قبل أن يأتي يوم ناصع في عالم الأدب أنصع من هذا بكثير، تشع فيه شمسٌ أكبر من هاته الشمس فنحاول وبالأحرى تحاولون التفاهم فلا نستطيع لنتفاهم.
الشعر جميل ومحبوب عند كل الأنفس الناطقة! أو الشعر قوة سحرية تدفع بالحياة إلى الأمام! والشعر فجر بثق من عالم الحقيقة فيضيء ظلام الحياة الدامس.
والشعر يد خفية تمر على قلوب مكلومة فتنزع منها الآلام، قد تقولون هذا أو تقوله ألسنة أحوالكم إن كنتم لا تقولونه.
«لأني أعرف أن ليس فيكم قوة الناطقية إلى هذا الحد»، وأنا أسلم معكم هذه المقدمات والنتائج المارة ولكني أقول لكم: نعم الشعر الجميل ولكن أين الشعر الذي تنظمونه أو تروونه؟
هل أتلمسه في تخميس «تتيه علينا مذ رزقت ملاحة» إلخ؟ أم تشطير
إذا كان لي أهلان أهل ترحلوا
أم في مشجر:
على جيد هذا الظبي فلينظم الدر
أم في تخميس آخر مطلعه:
أنيري مكان البدر إن فقد البدر
أم في مدحة أنشدت للحسين في يوم عيد مطلعها:
سل ما لسلمى بسوق البخس تشريني
أواه كل هذه أيها المتشاعرون صديد فكري وقيء طراشي باللغة التي تفهمونها.
لو أنفق العمر أجمعه في مثلها لما وصل الناظم إلى الشعر.
الشعر جميل، أما أمثال هذا فلا وإن كنتم تفهمون من كلمة الشعر أنها تعني أمثال هذه المقيئات فاعلموا أنكم على بعد 987000 كيلو متر من الشعر.
ما الشعر إلا روح متمردة شيطانية عاتية تأبى أن تسكن أمثال هذه الخرائب البالية المتحطمة.
الشعر روح سام يهبط من السماء فإن وجد في الأرض مستقرات وأكسية من الألفاظ تليق بعظمته وسموه وإلا عاد أدراجه طائرا إلى حيث مقر الأملاك أو مباءة الشياطين.
هكذا الشعر ألا تخافون منه وعهدي بكم تخافون المردة والبعابع والجان،
الشعر قوة سحرية كما قلت لكم آنفا، والسحرة لا تعجبهم المبالغات والأكاذيب لأنها ضعف، والسحرة دائما جبابرة أقوياء.
والشعر فجر والفجر يبدد بأشعته الظلمات إذا أتى.
والشعر يد تمسح القلوب الدامية وما تسمونه أنتم شعرا دماء وقيء، يحتاج إلى مسح من عالم الوجود.
أيها المتشاعرون:
أظننا قد بلغنا الغاية من رحلتنا هذه القصيرة في بر الحقيقة ومتنزهاتها وتحت أشعة الشمس شمس النقد المحرقة، فتعالوا معي لنرجع إلى حيث كنا ابتدأنا مسيرنا لأذكركم بكلمتي الأولى... اطرحوا سويعة تلك الأرقام.
واطرحوا سويعة تلك الصحائف.
وأزيدكم كلمة أخرى وألتمس ألا تنسوها مدى كل حياتكم الشعرية، وتذكروها كلما جئتم لتحملوا قلما وصحيفة إن كان فيكم بقية رغبة بعد في حمل الأقلام والصحائف، ليس الشعر ألفاظا ومعاني فقط وإنما الشعر أمر آخر وراء الألفاظ والمعاني وفوق الأفكار والتعابير.
أحد رواد النهضة الأدبية وشعرائها البارزين
ولد في جدة سنة 1324
أول رئيس للنادي الأدبي بجدة
من مؤلفاته:
تأملات في الأدب والحياة (مقالات) القاهرة: مطبعة العالم العربي، 1369هـ/ 1950م.
أماس وأطلاس (شعر) بيروت: مطابع دار الكشاف، 1372هـ/ 1952م.
الساحر العظيم، أو يد الفن تحطم الأصنام (شعر) دمشق: مطبعة القباني، 1372هـ/ 1953م.
خواطر مصرحة
رؤى أبو لون (شعر) القاهرة: دار سعد، 1374هـ/ 1954م.
نحو كيان جديد (شعر) القاهرة: دار المعارف، 1375هـ/ 1955م.
قمم الأولمب (شعر)
الطريق إلى موسيقى الشعر الخارجية.
محرر الرقيق سليمان بن عبدالملك الأموي: اكتشاف وتحليل لشخصية إنسانية ثائرة.
توفي يرحمه الله في عام 1400هـ. (1)