كنت قد كتبت هنا قبل أسابيع عن تجربة صديق لي زار الرياض وواجه متاعب ومشاكل عديدة جراء منع أبنائه الشباب من دخول المجمعات التجارية إلا برفقته، وقلت في آخر المقالة "ما أود قوله ـ عطفا على كلام صاحبي ـ أن المبالغة في منع الشباب من دخول معظم المطاعم والأسواق، تحت مبررات الخوف على الفتيات والنساء من مضايقة الشباب لهن، هو اتهام عام وباطل وظالم، ولم يسبقنا به أحد في الدنيا، من حيث إننا نسيء الظن في كل شاب ونحرمه من التسوق والترفيه وتناول الطعام وقضاء بعض احتياجاته، بحجة أنه مصدر تهديد في جانب محدد فقط"!

وأضفت قائلا "افتحوا النوافذ للشباب ودعوهم يفعلوا ما يفعلون تحت أنظاركم وقوموهم، وسنوا القوانين التي تحفظ النظام وتردع المخالفين، بدلا من تحقيرهم وتهميشهم وتصنيفهم كلهم في خانة (المغازلجية)".

ويوم الأربعاء الماضي نشرت الصحف خبرا يفيد بأن أمير منطقة الرياض وجه بعدم منع الشباب العزاب من دخول الأسواق والمجمعات التجارية، بناءً على توصية لجنة ثلاثية مشكلة من وكيل الإمارة للشؤون الأمنية ومدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض ومدير شرطة الرياض.

وجاء في توصية اللجنة أن التوجيهات السابقة بمنع دخول العزاب في المواسم وفي أوقات الذروة بالذات إلى المراكز التجارية أظهر سلبيات كثيرة ومن بينها تجمّع الشباب خارج الأسواق، وما تبع ذلك من مخالفات ومضايقات للنساء وتجمهر وتضييق واضح على الشباب وأخذ العاقل بجريرة المستهتر.

ورأت اللجنة في تقريرها الذي رفعته إلى أمير منطقة الرياض عدم منع الشباب من دخول الأسواق إلا في حالات محددة مثل أن يتطلب الموقف ذلك كحصول مخالفات جماعية أو إرباك للأجهزة الأمنية وما إلى ذلك، وأن يقتصر المنع على من يلاحظ عليه مخالفات تمس الآداب أو الأخلاق أو الذوق العام أو الأنظمة، وطالبت اللجنة بالتأكيد على مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرطة منطقة الرياض والمراكز التجارية لإنفاذ القرار.

أنا سعيد لكون الجهات الرسمية مهتمة بمثل هذه المواضيع، وأنها لم تتخذ مثل هذا القرار عطفا على رأي شخص أو جهة محددة، بل اتخذت قرارها بعد دراسة وبحث، ومن ثم تحليل ونتائج وتوصيات، وسعادتي تكمن أيضا في أن مثل هذه الدراسة جاءت مؤيدة لما كنت أقوله دائما للأصدقاء والزملاء ولما طرحته أيضا في مقالتي تلك في هذا الشأن.

التوصية فيها ما يعيدنا إلى وضع طبيعي فقدناه تحت مبررات مبالغ فيها وتحت أوهام لا أساس لها، أظهرتنا وكأننا مجتمع منفلت وفوضوي وغير قادر على التحكم بأهوائه وغرائزه، في الوقت الذي نزعم فيه أننا مجتمع محافظ ومتمسك بالقيم الفاضلة، عطفا على ثقافته الدينية المتأصلة. إن صح الخبر فأعطوا القرار فرصة لتنفيذه بكل ما ورد فيه، بما في ذلك منع دخول الشباب المشاغب، ثم احكموا على التجربة وقوموها. وكلي ثقة أن شبابنا سيكونون وفق ما نظن بهم، وإن وجد من يركض وراء هواه ليضايق الآخرين، فإن الأنظمة والقوانين التأديبية كفيلة بردعه وردع غيره، لكن سياسة المنع والتضييق لن تأتي إلا بما هو سلبي، ومن ذلك اتخاذ الشباب موقفا من الدين نفسه.