قرأتُ كتابات الزميل الأستاذ علي العميم في الشرق الأوسط، والتي تحدث فيها عن المفكر الدكتور محمد الأحمري، وعن موضوع التحليل العقدي تحديدا، والذي كتب فيه الأحمري عام 2006م مقالا كان في محل النقد والتأييد آنذاك، ورأيت الأستاذ العميم تناول المقال بالنقد والتشنيع غير المنصِف برأيي، وأردتُ بيان بعض النقاط حول الموضوع لأهميتها، وسأحاول التركيز على الفكرة وليس الأشخاص لأنها هي المقصودة.

بداية؛ كان مقال الأحمري يعالج مشكلة في ذلك الوقت قبل قرابة ست سنوات، ومن الخطأ تحميل كلام الكاتب أكثر مما يحتمل، خاصة وأني وجدتُ فيه بعض المحامل التي لدي يقين بعدم صحتها، من خلال معرفتي بالدكتور الأحمري. بل واضح من كلام الأستاذ العميم أنه يعيب بشدة على الأحمري انتماءه للتيار الإسلامي! ولا أدري إذا كان هذا عيبا فما الذي يفتخر به العميم؟ ومن أين لنا الفخر والمجد إن لم نفتخر بتاريخنا وأمجادنا وديننا! ولا أعني هنا تياراً بعينه وإنما الانتماء إلى التيار والفكر الإسلامي بجملته.

الأمر الأهم الذي أود تسليط الضوء عليه هو؛ مدى دقة نظرية التحليل العقدي السياسي، أو لنُسَمِّهِ التحليل الآيديولوجي السياسي، وهل كانت ملاحظة الأحمري صحيحة أم لا؟

يجب أن يكون واضحا أن المقال كان يخاطب شريحة معينة من القراء، وهي شريحة التيار الديني "السلفي غالبا"، ومن الطبيعي أن يتناول الموضوع بطريقة تعالج أفكار هذا التيار تحديدا، ولا أرى في ذلك عيبا! حيث كان الغرض هو نقد وتصحيح هذه النظرية في التعاطي مع الجوانب السياسية، والتي كان من آثارها عدة مشاكل. وربما من المناسب تناول النظرية بالنقد ومن ثم العودة إلى الحوار مع الأستاذ العميم.

يخلط البعض بين التحليل السياسي كممارسة وعمل وحده، كما يفعل المحلل والمثقف غالبا، لأجل فهم الواقعة السياسية بشكل صحيح؛ وبين اتخاذ القرار وآلياته التي يجب أن يصدر من خلالها. فالأول (التحليل السياسي) يجب أن يكون متجردا من كل ما قد يعوق فهمَ الواقعة بشكل صحيح، حيث إن كل واقعة سياسية يدور حولها عدةُ مؤثرات وأهداف، منها الاقتصادية والعسكرية والأمنية والدينية أو غير ذلك. ومن بدهيات التحليل السياسي أن ينظر المحلِّل لكل تلك العوامل بشكل تكامليّ، وليس النظر إلى العامل الديني وحده، حيث قد لا يكون عاملا مؤثرا بالضرورة دائما، وقد لا يكون فعلاً هو الدافع الحقيقي للجهة المؤثرة في تلك الواقعة، وهذا هو الذي كان يعنيه الأحمري في مقاله.

فلا يمكن القول مثلا إن ضرب النيتو لصربيا كان العاملُ فيه دينيا وهم كلهم على دين واحد! وإن قال البعض إنهم أرثوذكس فمن بين دول النيتو مَن أغلبيتها على نفس المذهب، وعدد من البقية الأخرى يوجد لديها نسبة كبيرة لنفس الطائفة! وفي مثال آخر؛ إن مساعدة النيتو للثوار الليبيين كانت بدوافع دينية بينما الجهة المستفيدة هي التيار الديني الإسلامي تحديدا!

وهذه الطريقة في التحليل لمثل هذه الأحداث قد أوقعت البعض في إشكال كيفية فهمها؛ نظرا لتملّك العقلية السياسية الآيديولوجية "العقدية" في طريقة تفكيره. بل إن التحليل السياسي من خلال عامل واحد (وهو الدافع الديني للآخر) يجعل العقل السياسي مشلولا ومسلوبا نحو تفكير جاهز ومقولب، مما يجعل المحلل سليباً لتلك الفكرة ويمنعه من فهم الواقعة بشكل سليم كما هو حقيقةً، كما يُسهل على العدو معرفة تفكيره والطريق إلى استغلاله والتحكم في تصرفاته بشكل لا يشعر هو فيه.

أما إذا جئنا لمرحلة البحث في القرار السياسي، فهي بناء على أدبيات التيار الإسلامي (الذي كان يخاطبه الأحمري) فإنه يجب أن يكون بشكل لا يتعارض مع المبادئ الأساسية التي أمر بها الإسلام، وبناء على أدبيات أي تيار آخر شيوعي أو ليبرالي أو غيره؛ فإن اختياره للقرار سيكون بالتأكيد بشكل يتوافق مع أدبياته وبرامجه السياسية. وبهذا نجد أن الأمرين منفكان عن بعضهما، ولا يوجد تداخل أو تعارض بينهما. وكان من المفترض أن لا يكون على الفكرة خلاف أساساً؛ بينما وجد البعض في هذه المسألة آنذاك ضالتَه، وأخذ ينفخ في المسألة وهو لم يفهم أساسها البسيط، والذي هو من بدهيات السياسة بنظري.

وقد أساء البعض فهم هذه الفكرة وحمّلها ما لم تحتمل، وكان سبب ذلك نقص الثقافة السياسية لديهم بنظري، وإلا فإن الأمر لا يعدو أن يكون ملاحظة في آلية فهم وتحليل الواقعة السياسة بالشكل الصحيح. ولكن متلازمة ربط كل شيء بالآيديولوجيا يبدو أنها مسيطرة على البعض بشكل جعلهم حتى لا يفهمون المقال فضلا عن الواقعة السياسية!

أعود للأستاذ العميم، وأقول إنك حاكمتَ الكاتب من خلال الآيديولوجيا التي عِبتَه عليها، ولا أدري كيف حمّلتَ كلامَه أشياء كثيرة، وكأنه نصٌ قرآني يؤخَذ منه المنطوق والمفهوم والعام والخاص وما إلى ذلك! لكل كاتب أن يختار الشريحة التي يختارها، وهذا ليس عيبا، إنما الخطأ بنظري عندما ننظر للكاتب بشكل غير محايد، ونحاكمه بأفهامنا وليس فهمه هو! كما إن من غير المناسب الإسقاطات التي يسعى بها البعض للإيقاع بين الناس وزيادة الخصومة، فهي ليست في صالح البلد في النهاية.

أخيرا؛ أقدّر للأستاذ العميم جهده وثقافته التي يبدو أنها عالية، إلا أنني اختلفتُ معه في قراءته وتحليله، ولا يُفسد الودُّ قضية.