ولتحقيق مستهدفات البعد الثالث في جانبه الخاص بتحقيق الأمن الغذائي، تضمن البرنامج في استراتيجيته؛ تعزيز الممارسات الجيدة لسلامة المنتجات الزراعية واستدامة استهلاكها عبر البرامج التوعوية والأنظمة؛ تعزيز استقرار إمدادات الغذاء عبر آليات وأطر للشركات وتفعيل التعاون والمشاركة في المنظمات والاتفاقيات الدولية؛ وتطوير منظومة إنتاج غذائي مستدامة من خلال رفع الاكتفاء للسلع الملائمة محلياً، وتحسين الإنتاجية المستدامة.
وبالإشارة لما تم نشره إعلامياً لتصريحات مسؤول رسمي حول الأمن الغذائي وواقعه الوطني، والذي تضمن نقاط رئيسة تستحق الوقوف عندها، لإلقاء الضوء عليها لأهميتها في تحفيز الاستثمارات الوطنية وتوجيهها نحو القطاع الزراعي، بما يتلاءم مع ظروفنا الطبيعية ومواردنا المائية والحيوية، والذي أشار في بعض مضمونه إلى ضآلة الرقعة الزراعية المستغلة في الوطن والتي لا تتعدى 3.22 % من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وإن ذلك لا يساهم إلا بنحو 2.6 % من إجمالي الناتج المحلي الوطني، ومع ذلك فإن قيمة الإنتاج الزراعي في المملكة يمثل 12 % من قيمة الإنتاج الزراعي في الدول العربية بمجملها، وذلك على الرغم من صعوبة الظروف الطبيعية وندرة موارد المياه الطبيعية المتاحة لدينا.
ولعل من أهم ما تضمنه التصريح هو الوسائل التي من خلالها يمكننا تحقيق أمننا الغذائي والتي تمحورت حول ثلاث ممكنات أو مصادر رئيسة؛ هي: الإنتاج المحلي، والاستيراد، والاستثمار الزراعي في الخارج، ولطبيعة المخاطر الاقتصادية التي قد يتعرض لها كل مصدر من هذه المصادر لتحقيق الأمن الغذائي، فإن ذلك يتطلب التكامل النسبي بين الزراعة المحلية والاستيراد والاستثمار الزراعي في الخارج، للحد من المخاطر المفترضة.
ولطبيعة الاختلاف والتباين بين الدول العربية في ظروفها الطبيعية والاقتصادية والمائية، فإن التكامل مطلوب بين الدول العربية في أهم مصادر أمنها الوطني، وذلك بالتكامل والتعاون في الاستثمار الزراعي بما يحتاجه من أراض زراعية ومياه ورؤوس أموال تُسخّر لتلك المشاريع المثمرة والمستدامة لتحقيق الأمن العربي والوطني لكل دولة.
ومما لا شك فيه أن عملية الاستثمار الوطني في القطاع الزراعي تتطلب تعاون ودعم عدة جهات للمستثمرين فيه، وقد تضمنها كذلك البرنامج التنفيذي لبرنامج التحول والتي شملت سبع جهات رسمية هي:
1 - وزارة البيئة والمياه والزراعة، 2 - المؤسسة العامة لتحلية المياه، 3ـ الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة (قبل ضمها لوزارة البيئة...)، 4 - الهيئة السعودية للحياة الفطرية، 5 - وزارة الاقتصاد والتخطيط، 6 - وزارة الصحة، 7 - وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. وفي إطار مضمون البرنامج التنفيذي المتعلق بتحقيق الأمن الغذائي وما يتعلق به من موارد حيوية، خلال المرحلة الزمنية للبرنامج؛ فالأمل معقود بدايةً، على سياسات وإجراءات أهم القطاعات الرسمية الداعمة للتوجيه نحو الاستثمار في القطاع الزراعي، وهي وزارة العمل من خلال برامجها ومبادراتها المختلفة المعنية بتوفير فرص عمل لتوظيف الشباب، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، للتنسيق حول آلية الدعم المطلوب وتيسير سبله وأدواته للمستثمر، ومن خلال التعاون مع وزارة البلدية والشؤون القروية - التي لم ترد كجهة مسؤولة عن التنفيذ - يمكن تهيئة البُنى التحتية اللازمة لاستغلال الأراضي الصالحة للزراعة في شتى مناطق المملكة، وبما يتناسب مع ظروفنا الطبيعية ومواردنا المائية المتاحة ونوع الغلات الزراعية المناسبة للاستثمار فيها والقائمة على حاجتنا لها، ودرجة أهميتها، ومناسبتها لظروفنا الطبيعية المختلفة، وفي ذلك تبرز المنطقة الجنوبية والشمالية وبعض من المنطقة الوسطى والمدينة المنورة، والمنطقة الشرقية المتميزة بغلات معروفة. وحتى يمكننا ترجمة مضمون برنامج التحول إلى برنامج عمل فعلي فإن ذلك يتطلب؛ استدراك طبيعة التحديات التي تحد من إقبال الشباب والقطاع الخاص للاستثمار في الجانب الزراعي، وذلك بهدف معالجتها بما يناسبها من سياسات وإجراءات تساهم في تذليل ودعم ما يمكن دعمه للدفع نحو الاستثمار الزراعي، ومن تلك التحديات - باستثناء الظروف الطبيعية - عدم توفر البنية التحتية الملائمة في المناطق الزراعية الهامة، انخفاض أجر العاملين بما يدفع بهم إلى أعمال أخرى، قلة المردود الاقتصادي على المستوى الفردي أو القطاعي لتلك المشروعات، ضعف وعدم مرونة سبل الدعم المادي والمالي المطلوب لتلك المشروعات، خاصة إذا كانت مشاريع فردية، وأخيراً عدم الوعي الفعلي بأهمية تحفيز تلك المشروعات الزراعية، على المستوى المؤسسي والفردي. للتوسع في مشاريع الاستثمار الزراعي نحتاج بدايةً الاستفادة من الدراسات الموجودة ذات الصلة، والاستثمار في البحوث والتخصصات المتصلة بذلك كالدراسات الجغرافية والزراعية وموارد المياه والأحياء وغيرها من الدراسات المعُينة والداعمة لتنفيذ مضمون البرنامج، وذلك يحتاج بدوره إلى إيجاد حلقة وصل وقنوات رسمية مفتوحة دائماً بين قطاعات الدولة من العام والخاص والعمل، وبين المراكز البحثية وقطاعات التعليم المختلفة خاصة التعليم العالي، للتعاون العلمي والاستثمار البحثي في المشاريع التنموية، التي تخدم التوسع في البيئة الزراعية ولتكون هدفاً يسعى التعليم إلى تنميته وبنائه لدى طلاب المدارس.
ومما يجب إدراكه إن التنمية لا تستورد ولا يمكن جلبها من دول أخرى، وإنما تُخلق وتبُنى أدواتها من مكونات المجتمع وخلال أفراده، وبالسياسات الملائمة والإجراءات الفاعلة يمكننا تحقيق كثير من مستهدفاتنا الوطنية التي نجد صعوبة في تحقيقها، أو تلك التي نعتبرها تحديات يصعب تجاوزها، فلكل تحد مخرج يناسبه وحلول وضعت له، وبدعم الجهات الرسمية المعنية بالقطاع الزراعي والبيئي، وبالتعاون بين القطاعات المعنية بالتنمية وتوفير فرص العمل والبنية التحتية والتجارة، يمكن الدفع نحو الاستثمار الزراعي في المناطق الجاذبة لذلك بدايةً، وبالتحفيز نحو المشاريع التشاركية يمكن تحقيق المردود الأفضل اقتصادياً على المستوى الوطني والقطاعي، وباستخدام التقنية في الزراعة يمكننا ليس فقط تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض الغلات وإنما التطور نحو التصدير كذلك.
وبالسير قدماً نحو تحقيق أمننا الغذائي؛ لا يمكننا فقط الرفع من نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الإنتاج المحلي الوطني، وتحقيق التنوع في القاعدة الاقتصادية، وإنما سيساهم ذلك في تصحيح توزيع السكان بين المناطق ويحد من التركز في المدن الرئيسة، ويقلل من الهجرة الريفية، وبه يمكن إعادة هيكلة توزيع فرص العمل ومجالات الاستثمار بين المناطق، بما يساهم في معالجة كثير من التحديات التنموية التي تواجهنا ويعزز من أمننا الغذائي المستهدف.