الفن التشكيلي لغة عالمية إن أخلص الفنان لعمله الإبداعي وقدمه بإتقان ضمن مدرسته التي ينتمي إليها، ويبقى هذا الفن مجالا راقيا ما لم يدخل مرحلة التشويه والعبث الفارغ الذي يسيء للذائقة والإحساس بالجمال، وهنا تنزاح اللغة العالمية جانبا، لأن عدم الشعور بالتواصل مع العمل الفني هو الذي سيطر على المتلقي ما يعني أن رسالة الفن لم تصل وأن لغته قد تلاشت.

منذ يومين حضرت افتتاح الدورة السادسة من معرض "آرت دبي" العالمي، بحثا عن مزيد من المعرفة والاطلاع على ما وصل إليه الفن التشكيلي المعاصر والنظر إلى حالنا العربي بالمقارنة معه، لاكتشف أننا ما زلنا في الغالب نلهث خلف الصرعات الغربية في التشكيل، فإن عبثوا عبثنا، وإن شوهوا الجمال لحقناهم في ذلك، وما سبق لم يمنع وجود أعمال فنية تميز فيها الفنانون بممارسة التشكيل على أصوله، مقدمين لوحاتهم ضمن أطر ومعايير الجمال الفني.

لا أدري هل ذائقة جيلنا التي لا تستسيغ كثيرا من "الكولاجات" والأعمال التركيبية الفارغة من المعنى والجمال هي الخاطئة، أم الخطأ يكمن في أولئك الذين ابتعدوا عن الفن التشكيلي الحقيقي واتجهوا إلى بكرات الخيطان و"السجائر" والقضبان المعدنية الرفيعة والغليظة وإلى العلب المعدنية ليلصقوا تلك الأشياء بمواد لاصقة مكوّمين إياها على بعضها معتبرين نتائج التكويم إبداعات فنية تستحق الإشادة، والأغرب أن يضع أحدهم مجموعة من الأراكيل المختلفة بمقاساتها وسط القاعة، وكأني به مقتنع بأن هذا التجميع عمل تشكيلي سيجد من يقتنيه ويثري به مجموعة التحف في منزله.

من إيجابيات "آرت دبي" أنه يجعل المرء يتعرف على فنون مختلفة تنتمي لبلدان عدة، ومن تلك الفنون ما ارتقى إلى مستوى الذائقة العامة أو فوقها أو انحدر عنها. وربما من إيجابياته أيضا أن جعلني أكتشف أن الأعمال التركيبية صارت أكثر حضورا من الرسم في الفن التشكيلي المعاصر إن كان المعرض يقدم الصورة الحقيقة لما هو عليه الواقع التشكيلي العالمي، وأحسبه كذلك.

ولن أنسى أن المعرض جعلني ألتقي أصدقاء وزملاء ممن لم أرهم منذ زمن، كالتشكيلي والصحفي السعودي محمد المنيف، والإعلامي القطري صالح غريب، والصحفي الأردني رسمي الجراح. كذلك كان الحديث ممتعا مع التشكيليين الإماراتيين عبدالقادر الريس والدكتورة نجاة مكي حيث يعرضان لوحاتهما في جناج غاليري "هنر".

في بقية الحديث: استمرارية حضور صالة "أثر" من جدة أمر جميل، والجميل أيضا كان الحديث السريع مع المشرف على الصالة حمزة صيرفي، وفيه لمست إصراره على ألا يغيب التشكيل السعودي عن "آرت دبي"، وعلى تقديم الوجوه الجديدة باستمرار لتكتسب الخبرة من المشاركات الدولية.