في الإعلان التجاري على شوارع مدننا العامة لإحدى شركات الدواجن، تتباهى الدجاجة أنها ليست وليدة اليوم وإنما بستين عاما من الخبرة. وبالطبع هي ستة عقود من خبرة الشركة في الميدان ثم أسقطتها على تاريخ الدجاجة. ولافت جدا أن تتصدر هذه – الدجاجة – رمزية (الستين) لأنها تكشف جانبا مهما من حياتنا وتجاربنا مع هذا الرقم. نحن، أو بعضنا مع هذه الرمزية في الإعلان شيء من حياة وتجربة هذه الدجاجة. أعمارنا في المتوسط العام تدور حول هذا الرقم. مشوارنا الوظيفي من البدء حتى التقاعد ينتهي عند هذا الرقم والفارق الجوهري أن هذه الدجاجة بعد عشر سنين من اليوم ستكون أكثر خبرة وتاريخا ومراسا عندما تقول ذات الدجاجة بعد عقد من اليوم إنها (ليست وليدة اليوم بل بسبعين عاما من الخبرة). ثم إن الواقع نفسه يقول إن بعض أنماط تفكيرنا الإداري أقل من طموح الدجاجة وأدنى من قدرتها على تطوير وتطويع التجربة المتراكمة. وفي المعدل العام، يبدأ الموظف العمومي لدينا حياته الإدارية في منتصف العشرين ويجاهد للارتقاء مرتبة تلو أخرى، وفي المعدل العام نفسه يصل ذات الموظف إلى رأس الهرم الإداري في الدائرة في حدود الخمسين من العمر، وهنا ورطة المجتمع مع العشر السنين الأخيرة في عمر هذا – الديك – وحياته مع الوظيفة. النظام الإداري يفرض بقاءه على الوظيفة حتى الستين وقمة الهرم الإداري في الدائرة نفسها لا تتسع لكرسي شرفي لإزاحته ولهذا سيبقى سعادة المدير العام انتظاراً لليوم الأول من – رجب – لن يأتي إلا بعد سنين طويلة. هنا، وبحسب الإعلان، آنف الذكر، يبقى على المجتمع أن يتحمل – ديكا – على رأس المزرعة. لا يوجد في السوق زبون ليشتريه والديك نفسه لم يعد يصلح لأي مهمة. ولهذا راقبوا الأسماء على الكراسي لعموم مناصب الإدارات العامة. هو ديك يعيد كل يوم تجربة الأمس بالكربون وخبرة يوم يعيدها لكل يوم طوال العام ويكررها لما تبقى من أعوامه العشرة. وهنا مكمن الخلل الذي نشاهده في جل الأفكار والمشاريع المتعثرة في سواد إداراتنا الحكومية المختلفة. نحن مع – ديك – يعرف مسبقا أن الثقافة الإدارية من حوله لا تعترف بالإزاحة قبل الستين مثلما يعرف أن السلم الوظيفي تحت قدميه وقد بلغ المنتهى منه بأعلى درجة. ومن الثابت علميا أن الديك يفقد القدرة على الطيران في أيامه الأخيرة ولهذا انتبهوا لبعض الدجاج من حوله وهي تطير عنه بالنيابة.